"قصر السيّدة".. دعوة عاجلة إلى الترميم

28 نوفمبر 2022
"رباط المنستير"، 2001 (Getty)
+ الخط -

في نهاية 2020، أعلن باحثون في "المعهد الوطني للتراث" بتونس عن اكتشافات أثرية جديدة في موقع "قصر السيّدة" الأثري وسْط مدينة المنستير، شمال شرقي تونس؛ من بينها مسجدٌ بُني خلال الفترة الأغلبية، وكان مطموراً تحت "القلعة العسكرية" التي تعود إلى أواسط القرن العاشر الميلادي (العصر الفاطمي).

غير أنّ الجانب الأكثر أهمّية في تلك الاكتشافات تمثَّل في العثور على رواسب لأوانٍ فخّارية تعود إلى الفترة الرومانية (بين القرنَين الثاني والسابع للميلاد)، وحجرِ صوان استخدمه إنسان ما قبل التاريخ، ويُعتقَد أنه يعود إلى الفترة ما بين 14 و15 ألف سنة قبل الميلاد.

تكمن أهمّية هذه الاكتشافات في أنّها تُقدّم معلومات جديدة عن تاريخ مدينة المنستير تُخالف الاعتقاد السائد بأنّ المدينة تأسّست خلال العصور الإسلامية الأُولى مع بناء أحدِ أبرز معالمها اليوم، "الرابط الكبير"، وهو أحد أبرز وأقدم الحصون الدفاعية الإسلامية في المغرب العربي، وأيضاً "قصر هرثمة بن الأعين"؛ وكلاهُما بُني في نهاية القرن العاشر للميلاد، خلال عصر الدولة العبّاسية.

وخلافاً لذلك، جاءت الحفريات في 2020 لتُبيّن أنّ وجود فخّار من الفترة الرومانية وحجرِ صوان يعود إلى قرابة 14 ألف سنة قبل الميلاد يدلّ على أنّ "قصر السيّدة" والمنطقة المحيطة بـ"الرباط الكبير" كانا مأهولَين منذ ما قبل التاريخ. وحينها، قال الباحث في "المعهد الوطني للتراث"، فتحي البحري، الذي أشرف على الحفريات، إنّ من شأن المعطيات الجديدة أن تغيّر النظرة إلى تاريخ المدينة، مشيراً إلى أنّ "معظم ما كُتب حولها استند إلى الوثائق التاريخية، ولم يُكتَب من خلال المعطيات الأثرية".

لم يستكمل الفريق البحثي عمله؛ إذ توقّفَت الحفريات في "قصر السيّدة" بمجرّد الإعلان عن الاكتشافات الأثرية الجديدة؛ وهو ما فسّره فتحي البحري - الذي يُشرف على مديرية البحوث في "المعهد الوطني للتراث" بتونس العاصمة و"التفقّدية الجهوية للتراث" في القيروان - بعدم توفّر الموازنة المالية المطلوبة للقيام بتدخُّل عاجل للصيانة والترميم.

وقال البحري، في تصريح لـ"وكالة الأنباء التونسية" أخيراً، إنّه طالب الإدارة العامّة، منذ انتهاء الحفريات في الموقع الأثري سنة 2020، بموازنةٍ للحفريات والترميم، غير أنّها لم ترد على طلبه، مضيفاً أنّه سيُعيد مراسلتها لطلب موازنة لسنة 2023. واعتبر البحري أنّ "ما هو عاجلٌ على مستوى الموقع الأثري هو عملية الترميم والصيانة؛ إذ لا فائدة من القيام بحفرية ثم لا يجري ترميم وصيانة ما استُخرج من حفريات؛ لأنّه يتلاشى بمرور الزمن بفعل العوامل الطبيعية".

يُذكَر أنّ موقع "قصر السيّدة" اكتُشف عام 1962، بعد قرابة سنةٍ من هدم حيّ وسط مدينة المنستير بهدف إنشاء مركز إداري جديد. وكان الموقع في الأصل قلعةً عسكرية تعود إلى العهد الفاطمي، ويَعتبر مختصّون أنّها القلعة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تضمّ أبراجاً مثمّنة.

المساهمون