في غمرة ما يعيشه لبنان بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لا بدّ من النظر في الحراك النسوي والأدوار التي لعبها، بوصفه أحد روافع التفكير التحرّري، وفي علاقة هذا الحراك بالتاريخ الشفوي الذي قلّما يوثَّق أو يُلتفَت إليه، على حساب التواريخ "الأكثر رسمية". وهنا يُصبح من الضروري التمعُّن في رموز النسوية، وكيف لها أن تترك أثراً فكرياً على واقع سياسي معيّن.
"في رفقة الفقدان: التاريخ الشفوي والإرث النسوي" عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن "ورشة المعارف" في بيروت، والذي وقّعته واشتركت في ترجمته ومراجعته مجموعة أقلام نسوية، هنّ: ديمة قائد بيه، ورنا عيسى، وريما رنتيسي، وديانا عبّاني، وغدير سويدان، وتالة حسن، وريمة حمود، وصفاء ط، ويمنى مروّة.
تركّز المقدّمة، التي حملت عنوان "الموت والإرث النسوي في سنوات الانهيار"، على سيرة كلّ من التشكيلية والشاعرة إيتيل عدنان (1925 - 2021)، والناشطة النسوية نادين جوني (1990 - 2019)، بوصفهما شخصيّتين أساسيّتين في هذا الكتاب، وبحُكم أنّ كلّاً منهما تمثّل جيلاً مختلفاً، وبالتالي هذا يعني "توسيعاً للمواقع التي تغذّي الكتابات عن التاريخ النسوي".
يطرح الكتاب تاريخ التاريخ الشفوي، وهو المنهج الذي اعتُمد في وضع فصوله؛ كما يُفصّل كيف تنامى هذا المفهوم منذ منتصف القرن العشرين، نظراً للتطور التكنولوجي، مع أنه أقدم من ذلك بكثير، ويلتفت في مبادئه الأولى إلى التجارب العادية واليومية، التي يُسخّرها في التفاعُل مع الأحداث السياسية والاجتماعية.
ويرصد العمل الروايات الشفوية التي أُجريت مع عدد من المقرّبات من إيتيل عدنان ونادين جوني، في محاولة لتقصّي انطباعاتهنّ وذكرياتهنّ، ولجمع أدقّ التفاصيل عمّا تبنّتاه في معاركهما السياسية، ومدى تأثيرهما على المحيط من حولهما.
ضمن هذا السياق، تنبّه المُشارِكات إلى أنّ اختيار هاتين الشخصيتين لتكونا موضوعاً لهذا العمل، ليس من باب الكتابة التأريخية الرومانسية، بل على العكس تماماً من قبيل عدم التمسّك بالأيقنة، وكأنّ في هذا تمثيلاً لعبارات إيتيل عدنان نفسها، عندما كتبت "في صباح اليوم التالي بعد موتي، سنجلس في المقاهي، لكنني لن أكون هناك، لن أكون".