استمع إلى الملخص
- التحولات الديمقراطية والمقارنات الإقليمية: يسلط الضوء على التحولات الديمقراطية في جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية مقارنة بالشرق الأوسط وأفريقيا، موضحاً تأثير التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسات السوفييتية والأميركية.
- المؤلفان وإسهاماتهما: فيليب شميتر ومارك بليشر، لهما إسهامات في السياسة المقارنة والتحولات الديمقراطية والسياسة الصينية، مما يضفي عمقاً على تحليل التحولات السياسية والاجتماعية.
ضمن سلسلة "ترجمان" صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "السياسة علماً: مقدمة نقدية" للمؤلِّفَين الأميركيين فيليب شميتر ومارك بليشر، وترجمة باسم سرحان وأنس أبو سمحان، وهو مكوَّن من تمهيد وسبعة فصول، مستهَلّة بمقدمة للنسخة العربية المترجَمة، وقد خصصه الكاتبان لعرض جوهر السلطة وممارستها والأُسس التي تقوم عليها، والتَّبعات المترتّبة على الممارسة داخليّاً وخارجيّاً، والتخصّص في علم السياسة، وضرورة عدم التحيّز للخروج بعرض واقعي للسياسة، والغرض المبتغى من مناقشة أي موضوع سياسي.
كتاب "السياسة عِلماً"، الواقع في 232 صفحة، ألّفه محاضران جامعيان في جامعات أميركية وأوروبية، جالا في العديد من جامعات أميركا اللاتينية ومعاهدها، وجامعات غرب أوروبا وجنوبها وشرقها، وأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. ومن هنا جاءت المساحة الواسعة المغطّاة في أبحاث هذا الكتاب التي تتناول مقارنة سياسات هذه "الأقاليم" من خلال اختراق الحدود الجغرافية والثقافية، وتجنُّب التعميمات العامة في عِلم السياسة، وعدم استعارة افتراضات ومفاهيم له من علوم اجتماعية أُخرى، واتباع استقصاء موضوعي ومعياري يتناول كلّ الجوانب، وبذل الجهد في البعد عن العواطف والنظر إلى الموضوع من الخارج، والتركيز على الجوهر للوصول إلى أكبر مقدار من اليقين.
يصف المؤلّفان كتابهما بأنه ليس موضوعاً علميّاً يُقدِّم فرضيات لاختبارها، أو يجمع أدلّة، أو يبحث عن أنماط ارتباط، أو يحتوي على استنتاجات، بل هو "ما قبل عِلمي"، يُحدِّد ما يحاول فهمه أو تفسيره بسؤال "ما الذي ينبغي عليّ قوله؟" قبل "ما الذي يجب عليّ فعله؟"، ويعترف المؤلّفان بأنه يحتوي على مستجدّات قليلة، وأن معظم ما فيه افتراضات ومفاهيم مستعارة من الأسلاف، لاقتناعهما بأن المفيد في السياسة قد قيل، وبأنهما لم يُفرِطا في استخدام المصطلحات المتخصّصة في محاولة لتجنيب القارئ تعقيدات الفهم، كما أنهما تجنّبا الهوامش الكبيرة، والنقاط الجانبية.
تسجيل منهجي لسَبْق دول جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية دول الشرق الأوسط وأفريقيا إلى الديمقراطية
يخصُّ مؤلّفا الكتاب النسخة العربية التي بين أيدينا بمقدمة عن مادة الكتاب الأصلي الإنكليزي، موجّهة إلى طلاب العلوم السياسية في منطقتَي الشرق الأوسط وأفريقيا (المنطقتان لاحقاً). يقترح المؤلفان في هذه المقدمة تركيز الأدبيات الغربية على أوروبا وأميركا الشمالية انطلاقاً من الحساسية تجاه "المختلِف" في المنطقتَين، وسردا شروطاً معيارية لتحويل الممارسة السياسية من الأوتوقراطية إلى الديمقراطية في المنطقتين الإسلاميّتَين، اللتين تُميِّزهما اختلافات جوهرية من دول في جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية.
يُسجِّل المؤلّفان في منهج سردي-تحليلي، سَبْقَ دولِ جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية دولَ المنطقتَين إلى الديمقراطية برغم عدم تفاوت الطرفين في مستويات التنمية، مفترضَين أن السبب هو في الأنظمة المهدَّدة من التحول الديمقراطي، والتي لا تؤدي هزيمتها إلى الديمقراطية بل إلى انبعاث النظام نفسه خلال فترة وجيزة.
واللافت بالنسبة إلى الكاتبين في دول الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية، البنى الاجتماعية المهنية الحالية، وكذلك الأحزاب المحدثة الساعية للتحوّل إلى نظام السوق والخصخصَة واللبرلة والدمقرطة، وكيف لم يعد التشدّد في "الثقافة الماركسية اللينينية" و"السلافية" عقبة أمام هذه الأهداف، في وقتٍ تهيمن على المنطقتَين "ثقافة الإسلام"، الذي يدّعي أصوليوه تناقضها مع تطبيق الديمقراطية "الغربية"، في تشابهٍ شكلي مع دعوى خاطئة لمعارضةِ "الثقافةِ الإيبيرية" الديمقراطيةَ في جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية، اللتين ظهرت فيهما مع تحول الأنظمة لمستويات مذهلة من المشاركة "المدنية"، في حين لم يظهر في الثقافة الإسلامية تكيّف كهذا، بسبب إصرار "الأصوليين" على تماسك ثقافتهم، وأن على تطبيق الديمقراطية التوافقَ مع معاييرها.
يشرح المؤلّفان ملابسات تسبُّب الانتخابات وتشكيل الحكومات في وهن أنظمة أوروبا الشرقية في وجه قوى المعارضة، وكيف حكمت في جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية بالديمقراطيات الناشئة أحزابٌ ضمت أشخاصاً من الأنظمة القديمة، فيما يلحظان أن "الانتقالات السياسية" في المنطقتَين (ويستثنيان الجزائر والكويت) كانت "مبرمجة" من النظام القديم لوضع عربة اللبرلة قبل حصان الدمقرطة بهدف منْع تطبيق الأخيرة، وللوصول إلى نخب تتحكّم بتوقيت الإصلاحات ووتيرتها وحجمها وتُحافظ على مؤسسات الدولة القائمة، في وقت ساهمت تجربة العربة قبل الحصان في أميركا اللاتينية بفقدان السلطات سيطرتَها، ومساهمة "اللبرلة الأولية" في إحياء مجتمع مدني قام بإصلاحات أدت إلى انتخابات "حرة ونزيهة".
لم تتحول أنظمة أوروبا الجنوبية وأميركا اللاتينية إلى الديمقراطية بمعزل عن تحولات اجتماعية واقتصادية
على خلاف أدبيات الدمقرطة، التي ترى أنه ثمة أولوية لدور القوى المحلية في أي انتقال سياسي، وأن التأثيرات الأجنبية تتفعّل بعد ترسّخ النظام الجديد، لم يجرِ الحال في دول أوروبا الشرقية وأميركا الوسطى على هذا المنوال، فقد ارتبط تغير أنظمتها بتحوّل سياسات السوفييت والأميركيين، وأدّت دمقرطتها إلى انهيار تجاراتها البَينية وتنشيط الخارجية، وحلِّ حلف وارسو، وفراغ سياسي، وهي عوامل اختار أصحابها التدخُّل الخارجي لحلّها، بخلاف أنظمة دول المنطقتَين، التي استغلت الحرب الباردة لترسيخ نفسها، ولم تتوصل بعد زوال مفاعيلها إلى تجارة بينية أو خارجية مهمة، واستمر اعتمادها على الخارج، إنْ في اتخاذها الصراع مع إسرائيل ذريعةً لطلب التسلّح الخارجي ولتثبيت حكمها الأوتوقراطي، أو باعتماد كثير منها على دعم جهات مانحة غربية، أميركية خصوصاً، لا تهتم بتطبيق الديمقراطية بمقدار اهتمامها باستمرار تدفق واردات النفط، وتروِّج لأن المنطقة غير قادرة على إعالة الديمقراطية.
لم تتحول أنظمة أوروبا الجنوبية وأميركا اللاتينية من الأوتوقراطية إلى الديمقراطية بمعزل عن تحولات اجتماعية واقتصادية وعسكرية وإدارية سبقتها، مثل خضوع الجيش للسيطرة المدنية، وإعادة هيكلة الاقتصاد، أما في أوروبا الشرقية، فلم تكن ثمة تحولات على أجندتها، وافتقرت جهاتها الرسمية إلى تحديد أولوياتها، في حين بدت دول في المنطقتَين ذات قدرة على الدمقرطة، باستثناء السودان واليمن، وحالة الأكراد المتعددة الأوجه، وحالة لبنان فيما يخص الهوية أو الحدود، وحالة العراق المُجَزّأ إثنيّاً ودينيّاً والمهدّد بالتقسيم في حال خضوع ديكتاتوريته للّبرلة والدمقرطة.
أما السيطرة المدنية على الجيش فمضمونة في الأنظمة الأوتوقراطية الملكية والأُسَرية إذا احتَرَمَت العمليةُ الانتقالية وضعَ الحكّام خلال مراحل الدمقرطة الأولى، أما في غيرها فلا تزال المسألة تتطلب عملاً كثيراً. وتصبح النسبة الكبيرة للاقتصاد المملوك للدولة في المنطقتَين عرضةً للتغيير مع التحوّل نحو الدمقرطة، من دون أن يعني هذا الخصخصة الفورية للاقتصاد وإلغاء القيود التنظيمية، بل إن عائدات النفط، والمساعدات الأجنبية، والتحويلات المالية تكون فرصة للتريث في تطبيق التدابير الاقتصادية الصعبة.
فيليب شميتر هو أستاذ فخري بقسم العلوم السياسية والاجتماعية في "معهد الجامعة الأوروبية"، كما شغل منصب أستاذ العلوم السياسية في "جامعة شيكاغو". له إسهامات مهمة في تخصص السياسة المقارنة، والتكامل الإقليمي لأوروبا وأميركا اللاتينية، والتحولات من الحكم الاستبدادي وعمليات الدمقرطة.
أمّا مارك بليشر فهو أستاذ في جامعة جيمس مونرو للسياسة ودراسات شرق آسيا في كلية أوبرلين. متخصص في السياسة الصينية. نشر خمسة كتب وعشرات المقالات حول السياسة المحلية والمشاركة الشعبية والاقتصاد السياسي. يُدرّس السياسة الصينية والآسيوية، والاقتصاد السياسي، والنظرية الماركسية، والسياسة والطبقات الاجتماعية. يركز في أبحاثه الحالية على السياسة العمالية في الصين المعاصرة.