فرنسواز فيرجس: متاحف "كونية" بسرقاتها فقط

17 يونيو 2023
فرنسواز فيرجس خلال جلسة بمدينة نانت الفرنسية في الذكرى 171 لإلغاء العبودية، 2019 (Getty)
+ الخط -

في كتابه المرجعيّ "معذّبو الأرض" (1961)، اختصر المفكّر والطبيب النفسي والمناضل المارتينيكي فرانز فانون ما يمكن لنقد وتقويض التاريخ الاستعماري أن يفعله بالقول إن "نزْع الاستعمار ــ الذي يهدف إلى تغيير النظام القائم في العالَم ــ هو برنامجُ فوضى مطلقة". وبسبب خصوصية العبارة الفرنسية التي يدوّنها فانون والتي قد لا تُبيّنها الترجمة العربية، لا بدّ من الإشارة إلى أن المفكّر يقصد الفوضى (désordre) بوصفها نقضاً للنظام (ordre) القائم وقلْباً له رأساً على عقب.

تلتقط المفكّرة السياسية والنسوية الفرنسية فرنسواز فيرجس هذه العبارة وتبني عليها مجمل أطروحات كتابها الجديد "برنامج فوضى مطلقة: نزْع الاستعمار عن المتحف"، الصادر ربيع هذا العام عن منشورات "لا فابريك" في باريس، والذي تدرس فيه حالة المتاحف الغربية، ولا سيّما الفرنسية، بوصفها عيّنةً عن المشروع الذي فصّل فيه فانون، و"مسرحاً لمعركةٍ أيديولوجية وسياسية واقتصادية".

تنطلق المؤلّفة من خلاصة بسيطة وجذرية في الآن نفسه: أنّ المتاحف التي تدّعي أنها كونية (أي المتاحف الأوروبية الكُبرى بشكل عام، والفرنسية منها بشكل خاصّ) ترتبط من ألفها إلى يائها بالاستعمار وتاريخه وسرقاته، إلى حدّ أنّ كلّ محاولة لإصلاح متاحف كهذه وكلّ رغبة في نزع الاستعمار عنها تبقى "مستحيلةً"، وهو ما يحتّم، بحسبها، ابتكارَ تصوُّر جديد للمتحف، إذا ما أردنا أن يكون هذا المتحف كونياً عن حقّ، وليس "كونياً" بالاسم والادّعاء فقط.

كانت السلطات تدعم وتموّل وتسهّل عمل "الرحّالة" لجلب الآثار

وتدرس فيرجس في كتابها المثال الأكثر وجاهةً وتعبيراً عن هذا التواشُج بين تاريخ المتاحف الغربية وتاريخ الاستعمار: "متحف اللوفر" في باريس. وتبّرر هذا الخيار في مُفتتح كتابها بالقول: "اخترت التركيز على 'متحف اللوفر' ــ بدلاً من متاحف مثل 'المتحف البريطاني' أو 'منتدى هومبولت' أو 'متحف المتروبوليتان' التي تقدّم هي الأُخرى أمثلة للتحليل حول ما يُعرَف بالمتحف الكوني ــ بسبب مكانته وصيته اللذين لا يوازيه فيهما أيُّ متحف آخر، ولأنه المتحف الذي يشهد أكبر عدد من الزيارات في العالَم، ويضمّ تُحَفاً كثيرة، من بينها 'الجيوكاندا'، ولأنه لا يرتبط بشكل عفويّ بالسرقة والنهب، كما هو حال متحف 'كي برانلي' في باريس"، المخصّص لـ"الفنون الآسيوية". وتذكّر صاحبة كتاب "النسوية الديكولونيالية" بأن "اللوفر" يُنظَر إليه في المخيال الجمعيّ الفرنسيّ بأنه "ابن الثورة الفرنسية والأنوار"، وهو ادّعاءٌ لطالما لجأ المسؤولون الفرنسيون إليه ليبرّروا وجود آلاف من المقتنيات المنهوبة فيه، والتي جُلبت إليه بحجّة "الحرّية" وبحجّة أن فرنسا تدافع عن الفنّ ــ ومن ورائه عن الإنسانية جمعاء ــ عبر "إنقاذه" من أيدي "البرابرة".

الصورة
الفوضى المطلقة - القسم الثقافي

وتنقض المؤلّفة هذه "الكونية الفرنسية المجرّدة" عبر سلسلة من التحليلات النظرية والعملية، ومن بينها أن "العقد الاجتماعي" ذا البُعد "الكوني"، الذي حاججت به جماعة الأنوار لقرون، هو في الحقيقة "عقدٌ عِرقيّ"، ينفي من مضمونه، ومن الإنسانية ربما، كلّ مَن ليسوا بيضَ البشرة، ويُعطي الأولولة للأوروبيين البيض، وهو ما يؤهّلهم، بحسب هذه النظرة، ليصبحوا حُماةً للإنسانية ولمنتجاتها، وفي مقدّمتها الفنون. 

أمّا عملياً، فتعود فيرجس إلى عشرات المراجع والوقائع والوثائق التاريخية التي تكشف عن النحو الذي عملت من خلاله السلطات الفرنسية المتتابعة على دعم متاحفها، وفي مقدّمتها "اللوفر"، عبر استغلال البلاد التي كانت تحتلّها، ومن ذلك، على سبيل المثال فقط، تنظيمها وتمويلها لرحلات قام بها "رحّالةٌ" أو "خبراء" فرنسيون إلى هذه البلدان، وسطوا خلالها على ما وقعت عليه أياديهم وأعينهم من آثار وحيوانات ونباتات ولُقى، وحتى على عظام وجماجم بشرية، لتُعرَض لاحقاً في المتحف الباريسي.

 
المساهمون