فاروق وادي.. اكتمال سيرة الراحل بـ"الإسكندرية"

12 اغسطس 2024
كأن قلب فاروق وادي لا يستطيع أن يكون خالياً من حبّ مدينة جديدة
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في "منازل القلب - كتاب الإسكندرية"، يمزج فاروق وادي بين السيرة الذاتية والسرد الروائي، مستعرضاً تجربته في الإسكندرية عام 1967 وتأثير المدينة على قلبه وروحه، مع التركيز على منطقة الإبراهيمية.
- يستعرض الكتاب تاريخ الإسكندرية وشخصياتها التاريخية، ويعتمد على مراسلات وادي مع صديقته سناء بين 1968 و1973، حيث يناقشان مواضيع سياسية وثقافية.
- يشير إبراهيم نصر الله إلى عشق وادي للمدن التي اضطر للابتعاد عنها، ويبرز أعماله الأدبية مثل "طريق إلى البحر" و"سيرة المشتاق".

في كتابه "منازل القلب - كتاب الإسكندرية" الصادر حديثاً عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، يقتبس الروائي والكاتب الفلسطيني فاروق وادي (1949 – 2022) مقولة لجلال الدين الرومي عتبة للكتاب، يأتي فيها: "قال معشوق لعاشق: أيها الفتى، أنت قد رأيت في غربتك مدناً كثيرة. فخبّرني: أيّة مدينة من تلك هي الأقرب إليك؟ فأجاب: "إنها تلك المدينة التي فيها من اختطف قلبي!".

عن الإسكندرية، التي أتاها الراحل عام 1967 فتى كسَرته الهزيمة، بعد أن ترك مدينته رام الله وقد وقعت تحت الاحتلال، يدوّن كتابه الذي تمتزج فيه السيرة الذاتية والسرد الروائي بتأملات في معارف وأساطير وتجارب وخبرات شخصية؛ اشتباك لا يمكن فصله في مئتين واثنتين وثلاثين صفحة، تشكل خلاصات الهوى والمعايشة وأثرهما في القلب.

بأسلوبه الجذاب في نثر الحكايا والأفكار، يرسم وادي صورة المدينة في لحظة تحولات كبرى حيث يقول "وصلتُ الإسكندرية وهي تلفظ أنفاسها الكوزموبوليتانية الأخيرة"، مضيفاً "كان المسكن، لحسن الحظ، في منطقة الإبراهيمية، التي ظلّت إلى وقت قريب، تستقطب بقايا الأجانب في جزئها الواقع وراء خط الترام من الناحية الأخرى..".

كتابٌ تمتزج فيه السيرة الذاتية والسرد الروائي بتأملات في معارف وأساطير وتجارب وخبرات شخصية

يحفر المؤلّف عميقاً في المكان ضمن سياق متعدّد، يبدؤه من هزيمة حزيران/ يونيو ليطوف بعدها في واقع المدينة آنذاك ويضفره بتاريخها، الذي لن يصبح مجرّد خلفية لحركته/ وجوده في المكان، إنما يصبح جزءاً من حكايته، فيخرج شخصيات إسكندرية تاريخية وقصصاً من الماضي ويرويها حيث يجب أن تُروى اليوم.

مشبع وادي بإسكندريته، التي يكتب لها كتاباً يستكمل فيه سيرته التي بثّها في مؤلفين سابقين، هما: "منازل القلب/ كتاب رام الله" (1997)، و"ديك بيروت يؤذن في الظهيرة/ كتاب الحرب" (2015). ورغم أن وادي أقام في المدينة المصرية سنة واحدة للحصول على شهادة الثانوية العامة، واضطر خلافاً لرغبته إلى العودة إلى عمّان لدراسة علم النفس في "الجامعة الأردنية"، إلا أن الكتاب يمتد من خلال توثيق شذرات من مراسلاته مع صديقته الإسكندرانية سناء التي استمرّت بين عامَيْ 1968 و1973.

فاروق وادي (1949 – 2022)
فاروق وادي (1949 – 2022)

في الرسائل تنويعات بين نقاش مواضيع سياسية، وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية الصاعدة آنذاك، وبين الحديث عن النصوص القصصية الأولى التي بدأ يكتبها وادي في تلك الفترة لتصدر لاحقاً في مجموعة "المنفى يا حبيبتي" عام 1976، وعن تقييماتهما حول شخصيات وكتب وأحداث شغلتهما في الثقافة العربية والعالمية، ثم يواصل الكشف في علاقتهما بفصل "خزانة الأسرار"، ويليه فصل "أيام البحر الهادر.. يوميات يناير" التي يعود فيها إلى الإسكندرية شتاء 2011، ليختم الكتاب بـ"شرفات الرمل.. الإسكندرية في القلب.. وفي العينين" يستحضر فيه لحظات ومشاهدات من الماضي، من أجل ترميم ما فوتته ذاكرته السكندرية.

يشير الروائي والشاعر إبراهيم نصر الله في تذييله الكتاب الذي يصدر بعد مرور عامين على رحيل صاحبه إلى أن علاقته بمدينة لشبونة؛ المنفى الذي أقام فيه حتى غادر الدنيا، "كانت تتطور بتسارع كبير بحيث تكون المدينة الرابعة"، في إشارة إلى مدنه الثلاث: رام الله، وبيروت، والإسكندرية التي نسجت سيرته في كتبٍ ثلاثة.

ويضيف: "وكأن قلب فاروق لا يستطيع أن يكون خاليًا من حبّ مدينة جديدة، هو الذي كان مضطرًّا دائمًا أن يكون بعيدًا عن المدن التي أحبّ، مع اختلاف الأسباب"، موضحاً أنه في جميع كتبه ورواياته "بقي فاروق واحدًا من الناس، بعيدًا عن بطولات الرّواة وزهْوِهِم بهذه البطولات، ففي كل ما كتب بقيَ ذلك الإنسان الذي يعشق ويحبّ ويتأمّل، ويسخر من كلّ شيء، ومن نفسه. لكنّه حين يكتب، يكتب بكل الحبّ، فلا يحبّ أنصاف المدن، ولا أنصاف الصداقات، ولا أنصاف الحقائق".

يُذكر أن فاروق وادي ترك روايات عدّة منها "طريق إلى البحر" (1980)، و"سيرة المشتاق" (2019)، و"سوداد.. هاوية الغزالة" (2022)، وكتاب "ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية: غسان كنفاني، إميل حبيبي، جبرا إبراهيم جبرا" (1985).
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون