غياب عبده داغر.. خارج تقاليد اللحن الشرقي

11 مايو 2021
(عبده داغر، 1936 - 2021)
+ الخط -

تحدّث عازف الكمان والمؤلّف الموسيقي المصري عبده داغر (1936 – 2021) الذي رحل أمس الإثنين في القاهرة، في إحدى مقابلاته التلفزيونية، حول تأليفه أول لونغا عربية، في محاولة لتقديم هذا القالب الرباعي في أسلوب مغاير من خلال إضافة مقدمة موسيقية، والتسليم بمثابة تمهيد للمقام، ووجود تقاسيم (الوحدات التي تشكّل الوزن).

اعتمد الراحل في مؤلّفاته على الانتقال بين درجات متعدّدة في المقام الواحد، بحسب ما يشير المتابعون والنقاد، في أسلوب اعتبر مبتكراً في الموسيقى الآلاتية العربية، كما استخدم العديد من المقامات غير الشائعة، في إطار تجديده عبر توظيف الإيقاعات بشكل غير تقليدية، ومزج البسيطة منها والمركبة داخل العمل الواحد.

 

كثيراً ما روى داغر ما واجهه من منع من والده الذي ورث مهنة بيع الآلات الموسيقية، في سبيل ثنيه عن الغناء، لكن الفتى ذا الثمانية أعوام تعلّق بآلة الكمان بعد حضوره حفلاً للمؤلّف الموسيقي الألماني ديفيد أويستراكش (1908 – 1974) في مدينته طنطا، فادخر جزءاً من مصروفه لشرائها، ولم تنفع معه كلّ وسائل الضرب والتهديد، حيث التحق في الحادية عشرة بفرق العوالم (الراقصات) وكان ذلك الفضاء الوحيد المتاح آنذاك لخوض عالم الموسيقى.

في تلك الفترة، التحق بالعمل في محل محمد الحفناوي والد العازف أحمد الحفناوي (1916 - 1990)، حيث تعلّم على يده صناعة العود الذي أتقن عزفه أيضاً لكن لم يجد فيه مساحات التعبير التي أراد، ثم انتقل للعمل مع الحاجة هنيات شعبان التي اشتهرت خلال الأربعينيات بتقديم الغناء الشعبي والمدائح النبوية، حتى صعد اسمه، وبدأ العزف في فرق العديد من المطربين من أمثال كارم محمود ومحمد قنديل ومحمد عبد المطلب وأُم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.

 

شكّلت هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967 لحظة مفصلية في مشوار داغر الذي أحسّ حينها بضرورة الإسراع إلى تشكيل فرقة تحافظ على التراث الموسيقي المصري والعربي وتسعى إلى تطويره وإيصاله إلى الجماهير، فكان أحد المساهمين في تأسيس "فرقة الموسيقى العربية"، التي اختلف مع القائمين عليها وخرج منها لاحقاً وظلّ يشكو نكران دوره في إقامة هذا المشروع.

تعود أولى محاولته في التأليف إلى بداية الخمسينيات مع إحساسه المتعاظم بأن الموسيقى العربية تفتقد إلى المنهج، لكن دعواته تلك لم تنل حظها من الاهتمام بسبب تجاهل آرائه التي استندت إلى التجربة دون حصوله على مؤهل أكاديمي في الموسيقى.

 

تحضر هنا رواية "صهاريج اللؤلؤ" للروائي المصري خيري شلبي (1938 – 2011)، التي صدرت طبعتها الأولى عام 2002، وهي تتكئ على سيرة عبده داغر حيث تتناول شخصية الموسيقي عبد البصير الذي تعرض إلى الاضطهاد من قبل زملاء المهنة كونه غير حاصل على شهادة علمية، وإصراره على تمصير لغة آلة الكمان من خلال "ضبطة مصرية" خاصة، وكيف نال التقدير في الغرب حيث منحته "جامعة جنيف" الدكتوراه الفخرية، وأقام العديد من الحفلات في أوروبا كما درّست بعض أكاديمياتها عدداً من مؤلّفاته الموسيقية.

وقد ألّف العديد من المقطوعات منها "ليالي زمان"، و"نداء"، و"مشوار"، و"مدى"، و"الشباب"، و"مشربية"، و"لونغا نهاوند"، و"سماعي كرد"، و"الريشة والكمان"، و"ابتهالات"، و"أخناتون"، و"النيل القديم"، وغيرها، والتي يرى الباحث الموسيقي هشام عزت عقل في دراسة نشرها حول داغر أنه استخدم الموازين المركبة واستحدث أيضاً إيقاعات جديدة، كما استخدم أجناساً ومقامات متعدّدة بالإضافة إلى عدم ارتكازه كثيراً على أساس المقام.

لم يقم داغر شأناً للأوساط الموسيقية وتراتبيتها وعلاقاتها، وعاش حياته على هواه من دون تخطيط وترتيب لمسارها، وتأطير لإبداعه الذي ظلّ غير محكوم ومنضبط، بل يمكن القول إنه حلمه تمثّل في الخروج عن كلّ مألوف، وكان له ما تمنى.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون