في عام 1827، نجح المهندس والمخترع الفرنسي جوزيف نيابس بالتقاط أوّل صورة فوتوغرافية سجّلها التاريخ، حيث استخدم حُجرة مُظلِمة ــ وهي نوعٌ بدائي من الكاميرا ــ وكذلك شريحة من القصدير مغطّاة بالقار، لتنطبع على القصدير صورةٌ سيطلق عليها نيابس، ومؤرّخو الفنون من بعده، اسم "منظَر من نافذة مطلّة على لوغرا".
بدت صورة نيابس مغبّشة، بحيث يصعب التعرّف على دقائق التفاصيل التي يتضمّنها المشهد، وهو أمرٌ طبيعيّ نظراً إلى بدائية التقنيات التي كانت متاحة بين يديه. هذا الغبش، لم يكلّ التصوير الضوئي، في العقود اللاحقة لينابس، العملَ على تلافيه، حيث حسّن التقنيون والمصوّرون، بأدوات عملهم، لتصبح الكاميرا قادرة بعدستها على نسخ الواقع تقريباً بكل تفاصيله، من دون أن يعني هذا الهوس بـ"تصوير الحقيقة" أنَّ الإعجاب بالغامض والضبابي قد انقطع يوماً عن تاريخ التصوير.
"غبَش: تاريخٌ للتصوير الفوتوغرافي" هو عنوان المعرض المستمرّ حتى الحادي والعشرين من أيار/ مايو الجاري في "فوتو إليزيه: المتحف الإقليمي للتصوير الفوتوغرافي" في لوزان السويسرية، حيث افتُتح في الثالث من آذار/ مارس الماضي.
يتتبّع المعرض تاريخ الصورة المغبّشة منذ ابتكار الفوتوغرافيا وحتى يومنا هذا، مسلّطاً الضوء على تطوّر هذا "النوع الفنّي"، وعلى التغيّرات التي طرأت على وجهات النظر حوله والقيَم الفنّية التي ارتبطت به باختلاف المراحل الزمانية.
ولتوضيح تاريخ حضور الغامض في الفن، يعود المعرض بعيداً قبل ولادة التصوير الضوئي، حيث يضمّ لوحات تشكيلية لفنانين أوروبيين تعود إلى بدايات القرن السابع عشر، مثل لوحة "بورتريه لامرأة تعتمر قبّعة" لـ جان راوو، الذي يذكّرنا منظّمو المعرض بأن الناقد ويليام دوكيت انتقده بعد نحو قرن (أي منتصف القرن التاسع عشر) بالقول إنَّ "فنه التشكيلي هش وبلا صلابة: لقد دفع بالغبش والغموض إلى حد أبعد مما هو مسموح به". تعليقٌ يُشير إلى الحُكم السلبي في ذلك الوقت على ما هو مغبّش.
على أنّ الأمر سيتغيّر في العقود الأولى من القرن الماضي، حيث سيبحث فنانون عن هوامش جديدة ليدفعوا فنّهم نحوها، متجاوزين بذلك قوالب الواقعية الجاهزة. من هؤلاء مثلاً أوتو شتاينرت، وبيل أرمسترونغ، وكاثرين لويتينيغر، وغيرهم ممّن يضمّ المعرض لقطاتٍ من أعمالهم.
تتوزّع الأعمال المعروضة على 12 قسماً تغطّي مجمل أنواع الغبش والغموض في التصوير الضوئي والفنون البصرية، من "الغبش في الفن التشكيلي" إلى "غبش الهواة" و"الغبش العِلمي"، وصولاً إلى "الغبش السردي في السينما" و"غبش الحركة" و"غبش الحداثة" وغيرها.