قبلَ أن تحصل على "جائزة نوبل للآداب" عام 1945، وتكون أوّل امرأة من قارة أميركا اللاتينية تنال الجائزة، كتبتْ الشاعرة التشيلية غابرييلا ميسترال (1889 - 1975)؛ جملة "إلهي هو الطبيعة"، لإحدى الصحف في شمال تشيلي، فمنعت الرقابة في ذلك الوقت هذا النصّ، واتّهمت الشاعرة الشابة بالإساءة إلى المقدّسات، وطُردت من المعهد الذي كانت تدرَّس فيه باعتبارها "شخصاً غير مرغوب به"، واضطرّت للعمل كسكرتيرة.
لم تؤثّر تلك الحملة التي مارستها الرقابة آنذاك على الشاعرة التشيلية، واستمرّت في كتابة القصائد والمقالات والدراسات التي تناشد فيها الطبيعة، وتعترف بوجودها وسموّها في كل مكان. صحيحٌ أنّها لم تنشر في ذلك الوقت تلك النصوص، إلّا أنّها احتفظت بها ونُشرت لاحقاً في كتبٍ عدّة، أبرزها: "يوميات ودفاتر الحديقة".
"نصوص عن الطبيعة" هو عنوان الكتاب الذي صدر مؤخراً للشاعرة التشيلية عن دار نشر "كاردو" التشيلية، بتحقيق وتقديم واختيار الباحثة المختصّة في أعمال ميسترال، الشاعرة التشيلية غلاديس غونزاليس.
يجمع الكتاب الرسائل والمقالات والقصائد والصور والوثائق التي احتفظت بها ميسترال وألّفتها عن الطبيعة، إضافة إلى يومياتها التي تكشف عن جوانب واهتمامات أخرى لصاحبة نوبل، حيث تهدف الشاعرة من خلالها إلى تحقيق التناغم الروحاني والمعرفة الذاتية، والطريقة الأفضل لتحقيق ذلك، هو الاتحاد مع الطبيعة، واستحضارها في زمن الصناعة والحداثة.
سيتمكّن قارئ الكتاب من أن يتنزه عبر صفحاته ويستنشق ويشعر ويلمس ويقرأ الكلمات وكأنه في حديقة مليئة بالحياة والاستعارات والصور اللامتناهية عن الطبيعة وتجلّياتها، كما أنه سيشعر أنَّ كاتبة النصوص تبدو وكأنها نحلةٌ ترسم بكلماتها صفحات معطّرة بالورود.
أشارت غونزاليس في مقدّمتها، التي تتحدّث فيها عن عملية البحث والاختيار لنصوص ميسترال، والتي استمرّت لأربع سنوات، أنّ هدف هذا الكتاب "هو إظهار جانب آخر من جوانب الشاعرة التشيلية، والذي عادة ما يهمله النقد، نظراً للدور الذي كان منوطاً بها. عادةً ما يكون التمرّد عنصراً حيوياً في الكتابة، مرتبطاً نوعاً ما بالموقف السياسي والاجتماعي. هذا الكتاب يبرز التواصل العميق الذي يربط ميسترال مع الطبيعة، مع مناظرها، مع أشجارها وورودها".
ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول، كما أنه يحتوي على العديد من الصور، واليوميات التي تدوّنها ميسترال، إضافة إلى شذرات وجُمل وعبارات ترافق الصور، وقصائد كتبتها ميسترال في فترة مبكرة من حياتها، تحاور فيها الأشجار والأزهار والأنهار والينابيع.