بعد عددَين خصّصتهما، العامَ الماضي، لكيفية دراسة الواقع السياسي من خلال أدوات البحث الاجتماعي، وللتغيّرات على مستوى الأنظمة البرلمانية العربية، تُقارب مجلّة "عوالم عربية" الفرنسية هذه المرّة مسألة التعليم والمدارس في البلدان العربية، التي تخصّص لها محور عددها الثالث، الصادر قبل أيام عن منشورات "لا ديكوفرت" في باريس.
ويسعى الملف، الذي أشرفت عليها الباحثتان كريستين موسّار وجولييت أونفو، إلى تبيان موقع الدولة من العملية التعليمية، وما يتوقّعه الفاعلون في هذا الحقل من الدولة. كما يسعى، بحسب التقديم الذي كتبته الباحثتان، إلى فهم الطريقة التي تتحوّل فيها المدرسة إلى "فضاء للعلاقات الاجتماعية" من شأنه تحديد طبيعة "الفعل العمومي" الذي تقوم به الدولة.
وتُساهم كلٌّ من الباحثتين بمقال على حدة، حيث تعود أونفو إلى تجربة الكاتب والشيخ والسياسي اليمني أحمد محمد النعمان (1909 ــ 1996)، الذي أسّس واحدة من أوائل المدارس الحديثة في البلد، في قريته بالقرب من عدن، في فترة كان البلد خاضعاً خلالها للاحتلال البريطاني، مركّزة على الدور الذي لعبته هذه المدرسة، والتعليم بشكل عام، في المشهد السياسي اليمني خلال ثلاثينيات القرن الماضي.
أمّا موسّار، فتدرس فترةً ازدادت خلالها أعداد التلاميذ الذين يلتحقون بالمدارس التابعة للنظام الفرنسي في منطقة البليدة بالجزائر، بين عامي 1944 و1954، بعد أن كانت القاعدة الشائعة لعقود تتمثّل في إبعاد الطلبة الجزائريين عن هذه المؤسسات. وتُعيد الباحثة صياغة السياق الذي راح فيه التسجيل في المدارس يحظى بسمعة أطيب، مستندةً إلى أرشيفات حكومية من البليدة.
ويُخصّص سامي أوشان ورقته لدراسة علاقات السلطة والهيمنة في ثانوية "ليسيه عبد القادر" الفرنكفونية ببيروت خلال السنوات الخمس الأخيرة (1985 ـ 1990) من الحرب الأهلية اللبنانية.
وغير بعيد عنه، تدرس أكيزا مومي النحو الذي يقوم من خلاله أساتذة مدارس ما يُعرَف بـ"البعثة العلمانية الفرنسية" في لبنان بإنتاج خطاب سياسي حول الأزمات التي يعيشها البلد، وكيفية تأثير هذا الخطاب في حُكم التلاميذ على الوضع في بلدهم وموقفهم من البقاء فيه أو مغادرته، إلى جانب أسئلة أُخرى عن هويتهم وثقافتهم ومستقبلهم الشخصي والمِهَني.
بدوره، يدرس بوريس جيمس، في ورقته، أحوال تعليم التلاميذ السوريين الأكراد في ثلاثة مخيّمات بكردستان العراق نزحوا إليها مع أهاليهم، ومكانة الهوية الكردية في ذلك، والتي لا تخفي، بحسبه، تنافساً سياسياً واختلافات إيديولوجية بين عدد من التيّارات.