علي شحرور.. من حُزن العائلة إلى حُزنٍ أوسع

04 ابريل 2023
من عرض سابق لـ"كما روَتْها أمّي" (كريستوف رينو دولاج/ مهرجان "أفينيون")
+ الخط -

في عام 2014، قدّم الكوريغراف والراقص اللبناني علي شحرور العمل الأوّل الذي حمل توقيعه، وهو ما يزال في الخامسة والعشرين من العمر. بعد عامين، سينتقل بعرضه ذاك، الذي سمّاه "فاطمة"، إلى فرنسا، ليقدّمه في جنوبها، بمهرجان "أفينيون"، أبرز المهرجانات المسرحية في أوروبا، وهو ما جلب مزيداً من الأضواء والاعتراف بتجربته المبكّرة التي تلقّت ترحيباً نقدياً في بلده، لبنان، قبل أي مكان آخر.

عند التاسعة والنصف من مساء اليوم بتوقيت تونس، يقدّم الفنّان اللبناني الشاب (1989)، في قاعة "الفن الرابع" بتونس العاصمة، عرضه "كما روَتْها أمّي"، الذي سبق أن قدّمه في لبنان وفي دورة 2022 من "مهرجان أفينيون".

لا يبتعد شحرور، هنا، عن الأرض التي يحفر فيها منذ سنوات، عملاً بعد آخر: تجربة الفقد، أو الحِداد، كما تعيشها النساء في الثقافة العربية، وبشكلّ أخصّ كما تعيشها نساءٌ لبنانيات، بل ونساء من عائلته، فقدْنَ أبناءهنّ أو أزواجهنّ في حرب أُرسلوا إليها في سورية ولم يعودوا منها. 

هكذا، يتمحور السرد في هذه اللوحات الممسرحة والراقصة حول اسمين وامرأتين سبق وأن عرفنا عنهما في اشتغالات شحرور السابقة: فاطمة، وليلى ("ليلى تموت"، 2017). فاطمة، التي هي عمّة الفنان في الواقع (تُوفّيت قبل مدّة)، ما تزال تبحث في العرض عن ابنها الذي فُقد بعد أن دُفع للمشاركة في الحرب بسورية، وما تزال تصرّ على إمكانية عودته رغم كل الإشارات على استحالة ذلك. أمّا ليلى، وهي خالته، فتفعل كلّ ما بوسعها ــ وتنجح في النهاية ــ لمنع ابنها عبّاس من مواجهة مصير مثل مصير حسن: الذهاب للقتال في سورية.

وكما هو الحال في عددٍ من أعماله السابقة، أقنع شحرور بعض أبطاله الحقيقيّين بأداء أدوارهم، حيث نجد، إلى جانب عمّته ليلى شحرور التي رأينها في عروض سابقة، ابنها عبّاس المولى، الذي يَفتح له علي شحرور باباً للنجاة والتعافي من ماضيه، على مبدأ "الكاثارسيس" (Catharsis) الإغريقي. كما يشارك في العرض كلٌّ من الممثّلة السورية حلا عمران والعازفَين عبد قبيسي وعلي الحوت، وهي أسماءٌ ثلاثة رافقت شحرور في عدد من أعماله السابقة.

كثافة وعُمق التجارب الحميمة والعائلية التي يُخبرنا إياها الفنان اللبناني قد تُغري بالتعمّق فيها، والاكتفاء بإخبارها، لكنّ علي شحرور يخرج بعمله من فخّ الاعترافات هذا، والشائع في كثير من الأعمال المعاصرة، ليفتح عرضه على قراءات في الثقافة والتاريخ، عائداً إلى حضارات قديمة سكنت بلاد الشام، وباحثاً في تقاليد الندب والحِداد والعزاء والبكّاءات في لبنان والمنطقة، وهو ما يتطلّب بالتأكيد أكثر من مجرّد روي قصّة شخصية.

يُذكَر أن العرض التونسي لـ"كما روَتْها أمّي" يأتي في سياق مهرجان "تونس: مسارح العالَم"، الذي يُختَتم اليوم، بعد أن انطلق في السابع والعشرين من آذار/ مارس الماضي بتنظيم من "المسرح الوطني التونسي"، وبمشاركة العديد من المسرحيات والعروض الفنّية التونسية والعربية.

المساهمون