خلال العصور الوسطى، لم تكن شبه الجزيرة الإيبيرية، وكما تُعرف اليوم، موطناً لإسبانيا والبرتغال، بل كانت تدعى الأندلس، وقد حكم تلك الأرض، على مدى سبعة قرونٍ، سلسلةٌ من الحكام العرب، واستطاعوا، آنذاك، أن يجعلوا من ذلك المكان نموذجاً لأرضٍ كادت أن تكون أسطورية لأنه عاش فيها أناس من الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وأوروبا، وكانت موطناً لثلاث ثقافات ودياناتٍ سماوية، عاشت جميعها بتعايش سلمي وبتناغم.
مع مرور الوقت، تطورت فكرة الأندلس وأصبحت رمزاً يستخدمه الفنانون والمبدعون لأغراض عدّة، أبرزها فكرة وجود مكان وزمان رمزيين للتعايش بين ثقافات وديانات مختلفة.
تحديداً من هذا الفكرة ينطلق أستاذ الأدب المقارن في "جامعة إلينوي في إربانا-شامبين" الأميركي إيرك كالديروود في كتابه الجديد الذي حمل عنوان "على الأرض أو في القصيدة: حيوات الأندلس المتعدّدة"، الصادر مؤخّراً عن منشورات "جامعة هارفورد الأميركية".
يحاول كالديروود في كتابه إسقاط الفكرة نفسها على موضوعاتٍ ثقافية وسياسية معاصرة ومتنوّعة، تتناول مفاهيم الهوية العربية والبربرية، وقضايا الحركة النسوية في الإسلام، وموضوعات والهجرة والتعدّدية الثقافية في أوروبا، إضافة إلى جرائم الكيان المُحتلّ في فلسطين.
وينطلق الباحث الأميركي من الموسيقى الأندلسية، ليطوّر، بلغة تجذب الانتباه، أصوات العرب والمسلمين الذين عادوا إلى الماضي البعيد لشبه الجزيرة الإيبيرية، لتخيّل مستقبلهم. فبدلاً من صرف النظر عن الأندلس واعتبارها كومة مشوّشة من المفاهيم، أو تقليصها لتكون مجرد ذكرى رومانسية، فإنه يعوّل على المستقبل للدفاع عن رمزية الأندلس باعتباره زماناً ومكاناً لا سعةَ لها، يحتوي الماضي، والحاضر والمستقبل.
"هل كانت الأندلس ههنا أم هناك؟ على الأرض... أم في القصيدة؟"، يستلهم الباحث الأميركي بيت شعر محمود درويش من قصيدته "أحد عشر كوكباً" ويحاول أن يُجيب على السؤال في كتابه يقع في 360 صفحةً.