صُوَر إرفين أولاف: الغابة كاستعارةٍ لراهن الكوكب

27 مارس 2022
"في بحر من الأوراق" (من المعرض)
+ الخط -

قد لا يكون اسمُ الرسّام الألماني كاسبر دافيد فريديريش مألوفاً لدى كثيرين. أمّا لوحته المعنونة بـ"متجوّل فوق بحر من الضباب"، والتي تصوّر رجلاً واقفاً على قمّة تلّة أو جبل، حاملاً عصا بيمينه وساهماً في أفق من غيوم وقِمَم وضباب، فهي بلا شكّ أكثر شهرةً من اسمه. ذلك أنها تحوّلت، منذ إنجازها عام 1818، إلى واحدةٍ من أكثر الأعمال تعبيراً عن الرومانسية الألمانية، ليس في التشكيل فحسب، بل وأيضاً في الأدب والفكر. فهي تقول، بإيجاز، ما حاولت عشرات الأعمال الرومانسية قوله: وحدة الكائن الجوهرية، قربُه من الطبيعة وضرورتها بالنسبة إليه كأصلٍ يعود إليه هرباً من واقع متأزّم ومجتمع مخادع.

في المعرض الجديد للمصوّر الهولندي إرفين أولاف، الذي يحمل عنوان "في الغابة"، والمقام حتى الثالث والعشرين من نيسان/ إبريل المقبل في "غاليري هاميلتونز" بلندن (افتُتح في الثامن من الشهر الجاري)، تحضر لوحة دافيد فريديريش بوصفها نقطة انطلاق لما يقترحه الفنان من أعمال. فكما في لوحات الرومانسيين وكتاباتهم الشعرية والسردية، تجد شخوص المصوّر الهولندي نفسها في شساعة الطبيعة، حيث تعبرُ فتاةٌ حقلاً كبيراً لا أحد فيه سواها، ويقطع شبابٌ بحيرة في قارب صغير يشبه بطّةً، أو يتخفّى آخرون بين أوراق النباتات الكبيرة في غابةٍ يأتي خيار المصوّر لونياً (الأسود والأبيض) ليزيد من عتْمها وهيبتها.

يتوقّف العدد الأكبر من الأعمال عند مسألة الحقّ في اللجوء والهجرة

على أن إحالة أولاف إلى الرومانسية تتوقّف هنا: أي عند العلاقة بين الإنسان والعالَم. ذلك أن كلّ شيء يتغيّر، بالنسبة إليه، ما إن نأتي للحديث عن طبيعة هذه العلاقة. فبعكس ما قال به الرومانسيون الألمان، وبعكس الرجل الساهِم في لوحة كاسبر دافيد فريديريش، لا يريد المصوّر الهولندي لشخوصه أن تكون معزولةً عن عالمها وأسئلته السياسية والاجتماعية.

هكذا، يحوّل الطبيعة (وهي، في معرضه الحالي، ممثّلة ببيئة جبال الألب البافارية والنمساوية، وما تحتويه من غابات وبحيرات) إلى فضاءٍ يستعرض فيه مسائل مثل جائحة كورونا (نرى، في إحدى الصور، شخصاً واقفاً بين النباتات ولابساً كمامةً)، أو الأزمة البيئية (طفلٌ يحمل كيسَ بلاستيك وهو واقف على قمّة صخرية في مشهد يذكّر بلوحة فريديريش، أو شاب يحمل قنينة ماء)، أو التمزّق في الروابط الاجتماعية (فتاة تضع سمّاعات موسيقى على رأسها وهي تقطع حقلاً وحيدةً، أو امرأة مسنّة جالسة قُرب شجرة).

على أن الحقّ في اللجوء والهجرة يمثّل الموضوع الذي يتوقّف عنده العدد الأكبر من الأعمال، إمّا من خلال بورتريهاتٍ لنساء ورجال بأزيائهم التقليدية وسط أجمات، أو من خلال مسرحةٍ لبعض حالات الهجرة وعبور الحدود، حيث نرى رجالاً ونساءً يعبرون بقاربٍ من جهة إلى أُخرى، في إحالة واضحة إلى عبور اللاجئين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسّط، أو إلى بريطانيا عبر بحر المانش. إحالةٌ نقدية بالتأكيد، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى السكينة والجَمال اللذين يقترحهما المصوّر الهولندي لعبورٍ كهذا، واللذين يفارقان العذابات وحالات المنع والطرد التي يواجهها المهاجرون واللاجئون عند وصولهم إلى حدود أوروبا. 

المساهمون