صباح فخري.. حين تنطوي صفحةٌ من الغناء العربي

02 نوفمبر 2021
صباح فخري في إحدى حفلاته، عام 2010 (Getty)
+ الخط -

مع رحيل المطرب السوري صباح فخري (1933 ــ 2021)، صباح اليوم الثلاثاء، في مدينة دمشق، تنطوي واحدة من أبرز وأغنى صفحات الغناء العربي المعاصر في القرن العشرين، حيث استطاع الفنّان الحلبيّ ترك بصمة متفرّدة إلى جانب حفنة الأسماء التي أسّست للأغنية العربية في القرن الماضي، ومنحتها شكلها، مثل أم كلثوم، وسيّد درويش، ومحمّد عبد الوهاب، ووديع الصافي، وفيروز، غيرهم.

بدأ صاحب "اللؤلؤ المنضود" مسيرته في سنّ مبكّرة، حيث أنشد وغنّى، وهو ما يزال مراهقاً، في حلقات ذكْر صوفي، وفي جلسات شيوخ طرب ومنشدين كانت شائعةً في حلب، ولا سيّما في النصف الأوّل من القرن الماضي، وهو ما ساعده على صقْل موهبته وعلى النهْل من خِبرات عدد من أبرز ملحّني ومؤسّسي الغناء في المدينة السورية، ولا سيّما عمر البطش وبكري الكردي، اللذين سيغنّي لهما العديد من الأغاني لاحقاً.

وبعد هذه البدايات "الشعبية"، التي راوحت بين السهرات والغناء في حفلات الاستقبال أو "القبول" النسائية، وحتى رفع الأذان في أحد مساجد المدينة، سيبدأ صباح الدين أبو قوس (اسمه الحقيقي)، وهو ما يزال في الرابعة عشرة، سلسلة رحلاتٍ متكرّرة إلى العاصمة، دمشق، حيث راح يُدعي لتأدية مقطوعات من التراث الحلبي، الغنائي والديني، على الإذاعة السورية، التي كانت قد أُطلقت للتوّ، في ذلك الوقت.

وسيلعب تعرُّف المغنّي الراحل إلى السياسي السوري فخري البارودي دوراً كبيراً في تحديد مساره اللاحق، حيث لم يكتف البارودي فقط بتقديمه إلى الإذاعة، ومنحه اسم صباح فخري، الذي سيُعرَف به حتى رحيله، بل ساعد في إيجاد مكانة له في فضاء العاصمة السورية الذي كان منغلقاً، في ذلك الوقت، على ألوان الغناء الحلبية.

سينتظر الفنان الشاب حتى الستينيات ليبدأ اسمه بالسطوع في الساحة السورية، قبل أن تخرج اشتغالاته، في التلحين والغناء، إلى النطاق العربي، بفضل حفلاتٍ في القاهرة، ودمشق، وحلب، وحتى خارج العالم العربي، وبفضل اعتراف أسماء كبيرة ــ مثل محمد عبد الوهاب ــ بموهبته، إن كان على صعيد الأداء الغنائي أو التلحين.

وفي السبعينيات، سيبدأ صاحب "خمرة الحبّ" في تحمُّل مسؤولياتٍ إدارية في نقابة الفنانين السوريين، إلى جانب عدد من طليعيّي الغناء والتمثيل والتشكيل السوري؛ وهي مسؤولياتٌ لا يُنكِر الفنان الراحل دور حافظ الأسد في إيكالها إليه، رغم أن موهبته ظهرت وكبُرت قبل وجود نظامه البعثيّ. كما أنه سيضع في هذه الفترة عدداً من أبرز أغنياته، إن كان في القدود أو الموشّحات.

شكّل صباح فخري، بصوته القويّ، وألحانه المجدِّدة، حلقة وصل بين التراث الغنائي الحلبي التقليدي والشعبي، المتمثّل بمعلّمين مثل عمر البطش وبكري الكردي وحتى المغني محمد خيري، وبين الجمهور المعاصر، بل وحتى المغنّين المعاصرين، الذين وجدوا في جمعه بين التراث واللون الشعبي، وبين التطلُّب التقليدي في التلحين والمعاصرة الحيوية، معادلةً لم يسبق أن عرفوا مثيلاً لها.

وسيدخل الفنان، بدءاً من التسعينيات، مرحلةً من التكريس، إن كان على الصعيد المحلّي السوري، أو العربي، حيث اكتفى في حفلاته باستعادة ألحانه وأغنياته التي أنجزها في العقود السابقة، والتي وضعته في مكانة مرموقة، والتفت أكثر إلى منصبه كنقيب للفناني، بل وحتى كعضو في "مجلس الشعب" السوري، قبل أن يدخل، بدءاً من مطلع العشرية الماضية، أي مع بداية الثورة السورية، مرحلته الأقلّ إنتاجاً، حيث قاده المرض إلى الانزواء عن الساحة وإلى الاكتفاء بحوارات قليلة، أو بقبول التكريمات.

المساهمون