سينتيا فلوري: صيفٌ مع فلاديمير جانكيليفيتش وأفكاره

05 يونيو 2023
فلاديمير جانكيليفيتش، عام 1970، في "السوربون" (Getty)
+ الخط -

لم يكن الفيلسوف الفرنسي، من أصل روسي، فلاديمير جانكيليفيتش (1903 ــ 1985)، من نجوم الفكر في بلده أو خارجه، كما كان حالُ جيل دولوز وميشيل فوكو وجاك دريدا أو حتى جان بول سارتر، على سبيل المثال. لكنّ "عاديّة" حياته ومساره التقليدي (كأستاذ لفلسفة الأخلاق طيلة أكثر من ربع قرن في "جامعة السوربون") لم تحُل دون بقاء فكره حيّاً، وشديد الحضور، حتى أيامنا هذه في الأوساط الفكرية والتعليمية بفرنسا.

ولعلّ أحد الأدلّة على مكانته هذه أنه أول فيلسوفٍ مُعاصِر تتناوله سلسلة "صيف مع..."، التي تتعاون فيها منشورات "إكواتور" مع إذاعة "فرانس أنتير"، والتي سبق أن أصدرت كتباً، قُبيل كلّ صيف خلال السنوات القليلة الماضية، حول أسماء بارزة في عالم الفلسفة والأدب، مثل آرتور رامبو، وشارل بودلير، وبليز باسكال، ومونتاني، وكوليت، ومكيافيلي، وفيكتور هوغو.

في "صيف مع جانكيليفيتش"، الذي صدر قبل أيام، تقدّم الباحثة سينتيا فلوري مدخلاً ميسّراً إلى فكر الراحل الذي كان من أبرز مَن كتبوا في فلسفة الأخلاق بفرنسا خلال القرن الماضي؛ ولا تشهد على هذا أعماله العديدة فقط، بل وأيضاً تعدُّد المسائل التي سعى إلى معالجتها في هذه الأعمال، منتقلاً من فكرة العدل والعدالة إلى معنى الحب، ومن الصفح والفضيلة إلى مسائل الموت والتهكُّم والشرّ.

Ee-Jankelevitch

لكلّ واحدٍ من هذه المفاهيم الأساسية في اشتغالات الفيلسوف الراحل، تُخصِّص المؤلّفة فصلاً تُعيد من خلاله صياغة أفكاره أو تقدّم قراءتها الخاصّة فيها، وذلك ضمن لغةٍ لا تفتأ تبحث عن جديد تقوله عن فيلسوف يُقال عنه الكثير وتُنشَر حوله أعمالٌ عديدة كلّ عام. ضمن مسعاها هذا تأتي مثلاً عودتها إلى حياته الشخصية، وإلى بعض من رسائله، لتُخبرنا عن أهمّية فلسفة الزمان عنده، مبتعدةً بذلك عن اللغة الأكاديمية التي تشرح اهتمامه بهذه المسألة بعدّة مفاهيمية معقّدة.

ولا ترى سينتيا فلوري أنها تبتعد بذلك عن طبع وطبيعة فلسفة جانكيليفيتش، التي جمعت بين توجّهين لهما تاريخهما في الفكر الفرنسي: الفلسفة الحيوية ــ بكل ما تعنيه من التفات إلى أبسط دقائق العيش ــ واللغة التهكُّمية، التي تضع مسافةً من السكينة واللا-عاطفة بينها وبين أكثر المواضيع إقلاقاً، مثل الموت، أو حتى معنى الحياة نفسها. 

من هذا، مثلاً، إجابته التي تستعيدها المؤلّفة، والتي قالها لصحافي فرنسي سأله إن كان بإمكاننا العيش من دون فلسفة، بل وكذلك من دون موسيقى ومن دون حُب: "نعم، يمكننا أن نعيش من دون ذلك. يمكنك أن تعيش كما يعيش الكنغر أو فرس النهر. أي: أن تأكل، وترعى، وتنام، وتقوم بكل ما يتطلّبه الجهاز الحيوي من وظائف ــ إذا أردتَ تسمية هذه 'حياةً'. لكن العيش بهذه الطريقة يعني فقدان معاني العيش. أسباب الحياة ومحفّزاتها أهمّ من الحياة نفسها".

إلى جانب هذه المداخل المفهومية المفتاحية إلى فلسفة جانكيليفيتش، تقدّم سينتيا فلوري نصوصاً تحوّل من خلالها فكر الراحل إلى أداة يمكنها مساعدة قرّاء اليوم على فهمٍ أفضل، ربما، لواقعهم، إن كان في ما يخصّ انتشار العنف، أو في إحساسنا المزمن بأن الوقت لا يكفي للقيام بما نرغب القيام به في يوم أو أسبوع أو حتى في حياتنا؛ إلى جانب تعريجها على مقولاته حول النوستالجيا، والصداقة، أو تخصيصها صفحات لفلسفة الموسيقى عنده.

المساهمون