عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"معهد الدوحة للدراسات العليا"، صدر حديثًا العدد الثامن والخمسون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية"، والتي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية وتصدر كلّ شهرين، وتضمّن العددُ الجزءَ الثاني من ملف "الرياضة والسياسة" الذي نُشر جزؤه الأول في العدد الماضي.
افتُتح العدد بدراسة لحيدر سعيد بعنوان "العلوم الاجتماعية والظاهرة الرياضية: نحوَ خريطة معرفية"، تبحث نمو تناول العلوم الاجتماعية الحديثة الظاهرةَ الرياضية، وتبدأ بالصيغة الأولى التي مهّدت الطريق لتشكّل حقل دراسات الرياضة، حقلاً علميّاً مستقلاً، وتتمثل بالخطاب الفكري الأوروبي، في النصف الأول من القرن العشرين، الذي ربط الرياضة بما كان يُعرَف آنئذٍ بـ"أزمة القيم الأوروبية"، كذلك تتوقف عند أول بردايمين نظريين في الحقل، الأول صمّمه نوربرت إلياس، ويتناول فيه موقع الرياضة من تطور المجتمعات الأوروبية الحديثة، والآخر صمّمه بيير بورديو، ويقوم على النظر إلى الرياضة بوصفها حقلاً اجتماعياً مستقلاً.
ويناقش عبد الكريم أمنكاي وعمار الشمايلة في دراستهما بعنوان "الحصيلة الأولمبية للأنظمة السلطوية: هل من أثر لشخصنة الحكم؟" التفاوتات في نتائج الدول ذات النظام السلطوي على مرّ الدورات الأولمبية، وتنظر في أسباب هذه التفاوتات، بالتركيز على دور شخصنة النظام السلطوي بوصفه عاملاً مفسِّراً لها، إذ تبيّن من طريق تحليلها معطيات تغطّي الفترة 1948-2008 أنّ قدرة أيّ بلد يحكمه نظام سلطوي على حصد الميداليات الأولمبية تتأثّر بمستوى شخصنة الحكم، فكلّما ارتفع مستوى شخصنة النظام السلطوي انخفضت حصيلة البلد من الميداليات الأولمبية، بغضّ النظر عن طبيعته (حزبي، ملكي، عسكري، فردي)، ودون أن يلغي ذلك محورية العوامل البنيوية المتحكّمة تقليديّاً في تألّق أيّ بلد في المنافسات الرياضية الدولية، وعلى رأسها مستوى النماء الاقتصادي وعدد السكّان.
ملف عن ارتباط الرياضة بالأنظمة السلطوية وعلاقتها بتصدير الهوية الوطنية
ويضيء أحمد قاسم حسين في دراسته بعنوان "الرياضة وحقل العلاقات الدولية: التفكير في الرياضة عبر عدسات النظريات الوضعية" تأثير الظاهرة الرياضية في السياسة الدولية، وكيف يمكن التفكير فيها عبر عدسات المقاربات الوضعية في حقل العلاقات الدولية، ولا سيّما أنّ الرياضة في عالم اليوم لم تعد مجرّد هواية أو ترفيه، بل صارت ظاهرة معولمة أُضفي الطابع المؤسسي العالمي عليها، ما يستدعي التوقّف مليّاً أمام تأثيرها في حركة التنظير داخل حقل العلاقات الدولية مستقبلاً، لما تحمله في طيّاتها من تأثير في جموع الجماهير في مختلف أرجاء العالم الذي لم يعد، كما بشّرت العولمة، قريةً صغيرة، بل صار اليوم أشبه ببرجٍ سكني كبير يقيم فيه سكّان المعمورة نتيجة ثورة التكنولوجيات الجديدة، وما يرتبط بها من الانتشار الآخذ في الاتّساع لاستخدام (ICTs) الاتصال والإعلام وسائل التواصل "الاجتماعي".
وتتناول سنى الخطيب في دراستها بعنوان "كأس العالم 2022 فضاءً لتصدير هوية قطرية عالم-محلية" العلاقة بين ممارسات القوة الناعمة وصناعة السمة الوطنية باعتبارها جزءاً من تصدير الهوية الوطنية، وأداةً طيّعة تستخدمها الدول في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، وتبحث في الدوافع والرؤى التي دفعت صانع القرار القطريّ إلى الاستثمار الهائل في استضافة هذا الحدث عبر تصدير هوية عالم-محلية، قائمة على المزج بين بُعدين، أولهما عالمي يشدد على المواكبة والتطور، وثانيهما محلي يدفع نحو المحافظة على خصوصية البلد وتقاليده وتسليط الضوء على تاريخه، وتركز الدراسة، على نحو خاصّ، على جانب الهندسة المعمارية للملاعب الرياضية باعتبارها تجلياً لعمارة القوة الناعمة، وأحد أساليب تصدير هوية وطنية قطرية عالم-محلية.
واشتمل العدد على ترجمة قدّمها علي عبد الصمد لدراسة بعنوان "’الشعب‘ إلى أين؟ الشعبوية والأيديولوجيا والتنازع السياسي على الرياضة" لريتشارد غرونو، تناولت توظيف القادة الشعبويين مفهوم "الشعب" من خلال التعاطي مع الرياضة، وتداخل مفهومَي "الشعب" و"الرياضة" (وُلد المفهومان في وقت واحد تقريباً، ويرتبط أحدهما بالآخر) مع الصراعات الأوسع على الأيديولوجيا والهيمنة. وأشارت إلى انجراف الرياضة نحو اليمين السياسي، وتحوّل الملاعب الرياضية إلى منصة للخطاب الأيديولوجي العنصري، لتفصّل في نموذجين لزعيمين شعبويين، من سياقين غربيين مختلفين، هما بينيتو موسوليني الذي استغل النجاحات الرياضية التي حقّقتها إيطاليا في الثلاثينيات لنشر الخطاب الفاشي، ودونالد ترامب الذي ظهر في سياق ديمقراطي رأسمالي ليبرالي.
وتضمّن في باب "التوثيق" توثيقاً لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، و"وثائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي" في المدة 1 تموز/ يوليو – 31 آب/ أغسطس 2022.
وفي باب "مراجعات الكتب"، قدّم محمد حمشي مراجعة لكتاب "قطر وكأس العالم 2022: السياسة، الجدال، التغيير"، لبول براناغان ودانيال رايخ. وفي باب "تقرير" أعدّ مجد أبو عامر تقريراً عن ندوة عقدتها وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الاثنين 29 آب/ أغسطس 2022، بعنوان "أوكرانيا: التطورات العسكرية التقليدية وغير التقليدية والمقاتلون الأجانب".