مثل أغلب المجدّدين في حقول الكتابة، تحوّلت تجربة الشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه، في حياته وبعد رحيله (1842 ــ 1898)، إلى موضوع للتجاذب، بين مَن رحّبوا بنظرته المجدّدة للقصيدة ــ حيث البحث عن المعنى وراء ألاعيب اللغة اليومية ــ وتبنّوها وتتلمذوا عليها، مثل بول فاليري، وبين مَن عارضوا لغته التي رأوا أنها منغلقة على نفسها وبعيدة عن معنى الشعر المألوف.
كتابان صدرا حديثاً بالفرنسية يسمحان بإعطاء صورة عن هذا التجاذب. الحديث هنا عن "ستيفان مالارميه: الرجُل الملاحَق وضوحاً" لـ فيديريكا لوكاتيلي (منشورات كلاسيك غارنييه)، و"المشعوذ مالارميه" للشاعر جويه بوسكيه (منشورات "فاتا مورغانا").
تقدّم لوكاتيلي دراسة أكاديمية في شِعرية مالارميه، في أساليبه، وبنية قصيدته، ودور الاستعارة المركزي فيها، مع تحليل أيضاً لطبقات هذه القصيدة، حيث تتراكم المعاني والصور والأصوات والعلاقات بين الكلمات.
وتتابع المؤلّفة، في الفصول الخمسة التي يتألّف منها الكتاب، أدقّ التفاصيل في معمار الشاعر الفرنسي، مثل حضور مفردة "النافذة" في شعره، أو المسافات البيضاء التي يتركها بين الكلمات، أو النحو الذي يستنطق من خلاله الأشياء والكائنات، من حيوانات وزهور وأشجار وغيرها، وكذلك هوَسُه في البحث عن دلالات واستعارات تُشبه الأحجار الكريمة في لمعانها وتعدّد أبعادها، وبالتالي معانيها.
أمّا بوسكيه (1897 ــ 1950)، الذي كان من الشعراء المعروفين في فرنسا خلال خمسينيات القرن الماضي، فلا يتردّد ــ في نصّه هذا الذي نشره في مجلّة "لي ليتر" عام 1948 ــ في تقديم نقد لاذع، بل هجاء، لصاحب "رمية نرد"، الذي يرى أنه كاتبٌ محبّب لدى الجامعيين والأكاديميين، وليس لدى القرّاء العاديين ممّن يحبّون الشعر وعذوبته.
وإلى جانب تهجّمه بالعديد من العبارات على شخص مالارميه ــ "المنحلّ"، "النرجسيّ"، بحسبه ــ، فإنه يصف قصيدته المعقّدة بأنها بعيدة عن الإنسانية والحبّ، حيث يتسبّب إدخالُه لـ"العِلم" في الشعر بإفقاد الأشياء البسيطة معناها.