سارة شمّة..ذاكرة بصرية للاتجار بالبشر

01 سبتمبر 2021
(من المعرض)
+ الخط -

في عام 2019، بدأت الفنانة السورية سارة شمّة (1975) إقامتها البحثية في "معهد الطب النفسي وعلم الأعصاب" في "كينغز كوليدج"، حيث درست موضوع الاتجار بالبشر، مع أكاديميين وباحثين في هذا المجال، في محاولة لفهم معنى البقاء والتعافي من منظور نساء عشن هذه التجربة. 

"العبودية الحديثة" يمثّل نتاج بحثها الممتّد لعامين، في لوحات تضمّنها المعرض الذي افتتح في الأول من الشهر الماضي في "مركز ستوكود ديسكفري" ببلدة لوتون بالقرب من لندن، ويتواصل حتى التاسع عشر من الشهر الجاري، وتعكس سرداً بصرياً لمجموعة من الناجيات من الاسترقاق في القرن الحادي والعشرين. 

تقدّم شمّة سلسلة من اللوحات كبيرة الحجم، إلى جانب سكيتشات زيتية، لمناقشة خطر يتهدّد نحو أربعين مليون شخص على يد عصابات منظّمة تستغل الصراعات والفقر والمجاعات.

تهتمّ الفنانة السورية بإبراز المشاعر المتناقضة في وجوه شخصياتها

لطالما شكّلت الوجوه أو الجموع الموضوع الأساسي الذي اشتغلت عليه الفنانة منذ معرضها الفردي الأول في العاصمة البريطانية (2013)، الذي حمل عنوان "طابور"، في تركيز على البعد السيوكولوجي للمهجرين والمبعدين عن أرضهم، أو المعنّفين الذي انتهكوا جسدياً ونفسياً خلال الحروب. 

ثمة تأثيرات واضحة لرامبرانت في التعامل مع الظلّ والنور داخل اللوحة من خلال توزيع بؤره في أكثر من منطقة، والاهتمام أكثر بانعكاس الظلمة والضوء على تعبيرات الوجوه من أجل إبراز تعدّدها وغناها، ومنحها انطباعات ودلالات مختلفة. 

الصورة
(من المعرض)
(من المعرض)

كما عكست معارض شمّة، المولودة لأب سوري وأم لبنانية، تجربتها الشخصية المتعلقة الحرب في سورية، وما تسبّبت به من قتل وتدمير، حيث تكرّر ظهور أعضاء بشرية مشوّهة في أعمال عديدة ضمن تكوينات مشبعة بالواقعية، في سعي لتكثيف الألم والقهر والغضب في بورتريهاتها.

في المعرض الحالي، تقترب العديد من الأعمال من الرسوم التوضيحية التي تتناول الفكرة بطريقة مباشرة لكنها تحمل صدمة للمتلقي الذي لم يعتد على رؤية هؤلاء النساء في حالاتهن الطبيعية حيث تمتلئ وجوههن بالألم والرعب من الأهوال التي اختبرنها في الماضي. 

كما تُعرض لوحة ضمن سلسلة "الأمومة المزدوجة"، تحتوي ثلاث نساء من أجيال مختلفة يحتضن بعضهن بعضاً، في إشارة إلى الواقع حين لا تجد المرأة التي تتعرّض إلى الاتجار عطفاً وتضامناً إلا من امرأة أخرى وسط إنكار المجتمع وتعتيمه على قضاياهن.

نقلت الفنانة مشاعر متناقضة ومعقدة ترتسم على وجوه شخصياتها، ومنها شعور الذنب الذي يلاحق المرأة الضحية، وإحساسها الدائم بالتوتر والرغبة بالاختباء وعدم مواجهة العالم، حيث يلازمهن الاعتقاد أن نظرات الناس تلاحقهن باستمرار، إلى جانب رسم شخصيات تنظر إلى نفسها بالمرآة أو تعيش في أكثر من حالة في إبراز للشعور بعدم الأمان، وفقدان الثقة بالنفس. 

يُذكر أن سارة شمّة تخرّجت من كلية الفنون الجميلة في "جامعة دمشق" عام 1998، وأقامت العديد من المعارض الفردية والجماعية في لبنان وتونس والكويت وقطر وهولندا وألمانيا والمملكة المتحدة

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون