زياد العناني.. رحيلٌ عن "أرض المذنبِين"

25 مايو 2024
زياد العناني (1962 - 2024)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ودّع العالم الشاعر والصحافي الأردني زياد العناني بعد معاناة مع جلطة دماغية لـ13 عامًا، وكان قد وُلد في عمّان عام 1962 وعمل في الصحافة الثقافية بعد خدمة حكومية لعشرين عامًا.
- أصدر العناني ست مجموعات شعرية تعكس تجربته الفريدة في قصيدة النثر، بالإضافة إلى مجموعة أولى وأخرى صدرت بعد مرضه، مما جعله واحدًا من أبرز شعراء النثر في الأردن والعالم العربي.
- في حواره مع "الرياض" عام 2005، تحدث عن انتقاله لقصيدة النثر، معبرًا عن شغفه بالصمت والهدوء ورؤيته للقصيدة كوسيلة لاستكشاف الطاقات الإنسانية والتحرر من المكبوتات.

رحل، صباح اليوم السبت في عمّان، الشاعر والصحافي الأردني زياد العناني، بعد قرابة 13 عاماً من إصابته (في 28 آب/ أغسطس 2011) بجلطة دماغية أفقدته القدرة على النطق والحركة.

والعناني، المولود في بلدة ناعور بعمّان عام 1962، حاصلٌ على شهادة الدراسة الثانوية العامّة، وعمل موظّفاً حكومياً لقرابة عشرين عاماً، قبل أن يبدأ العمل في الصحافة الثقافية، مع جريدة "الرأي" ثمّ "الغد".

أصدر زياد العناني ستّ مجموعات شعرية بين سنتَي 2000 و2009؛ هي: "خزانة الأسف" (2000)، و"مرضى بطول البال" (2002) التي ضمّت قصائد نشرها في مجلّات وصحف عربية بين 1990 و1999، و"كمائن طويلة الأجل" (2002)، و"تسمية الدموع" (2004)، و"شمس قليلة" (2006)، و"زهو الفاعل" (2009).

هذه المجموعات الستّ (مُنعت منها اثنتان في الأردن: "خزانة الأسف" و"زهو الفاعل") هي ما يعكس الوجهَ الحقيقي لتجربة العناني الشعرية التي قطعت مع التجارب السائدة، ويُقدّمه كواحد مِن أبرز شعراء قصيدة النثر الأردنية والعربية، غير أنّها ليست الوحيدة؛ ففي تجربته أيضاً مجموعةٌ أُولى فضّل أن يتركها وراءه ويُسقطها من مشروعه الشعري؛ هي "إرهاصاتٌ من ناعور" التي أصدرها عام 1988.

وتُضاف إلى تجربة الشاعر الراحل مجموعةٌ ثامنة وأخيرة صدرت بعد مرضه، وضمّت عشر قصائد جمعها واختارها الشاعر محمّد عريقات من بين ما نشره العناني في جريدة "الغد" وصحف ومواقع إلكترونية مختلفة. عنوان المجموعة هو: "جهة لا بأس بعُريها"، وقد صدرت عن "الأهلية للنشر والتوزيع" عام 2017. أمّا القصائد التي ضمّتها؛ فهي: "جهة لا بأس بعُريها"، و"الرسّام"، و"أنوثة الفاكهة"، و"الراقصة"، و"الأوبرج"، و"الشعراء"، و"تلويحة الغرقى"، و"موسوعة الألم"، و"ما لا يُمكن فهمه"، و"أرض المذنبِين".

في حوار له مع خليل قنديل نشرته صحيفة "الرياض" عام 2005، تحدّث زياد العناني عن تجربته مع الكتابة وانتقاله من قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر، قائلاً: "لقد كنت شغوفاً بصمت الكتابة وهدوئها ورحتُ أكتب لذاتي وذاتها، ولم يدُر بخلدي أنّني سأصبح شاعراً. كلُّ ما في الأمر هو أن أُحقّق فرحي الخاص (...) وجدتُني أكتب وأنشر، وكانت قصائدي في حينها تنتمي لقصيدة التفعيلة. في بداية التسعينيات بدأتُ أنزاح إلى قصيدة النثر.. إلى المعنى، وصرت أمقت الصوت التطريبي البحت والغنائية الباهتة".

ويضيف: "لقد كنتُ متلهّفاً جدّاً للفضاء وأحتفي بنزعة التجريب، ولم أخَف من فكرة الرواسب العالقة بين الأجناس الأدبية، وكنتُ أفرح بالقدرات التجريدية المتوزّعة في ثنايا النصّ وأسخر من الشتائم التي لم تفهم أو تتفهّم كونية الإيقاع".

أمّا عن تصوّره للقصيدة فيقول: "على الصعيد السياسي، لم تعُد القصيدة خطاباً أو بياناً حزبياً يلتحق أو يُلحق بالعربات السياسية حتى اللهاث، كما لم تعُد أغراض الشعر القديم قائمة، لأنّها فقدت مسوّغها الحضاري. القصيدة التي نكتبها الآن هي قصيدة الطاقات المؤتلفة والمختلفة التي يتشكّل منها الإنسان لجوانبه الوجودية والساعية إلى التحرّر من أدوات المنع ومن المكبوتات والاستنطاقات اللغوية التي تفتقر إلى المعنى الذي يقف مع الإنسان الذي أرعبته الشمس مثلما أرعبته النجوم وأرعبته النار كما أرعبته وحوش الغابة والزلزال، وتكوّنت معظمُ معارفه على خلفية هذا الرعب الذي رافق البدايات الأولى إلى أن سقط في فخّ الخطيئة التي علم بها متأخّراً، وكذلك الذنب الذي ترفض تكريسه القصيدةُ الحديثة المعنية بالشعر الخالص الذي يحتفي بأنسنة الكيان الكلّي للإنسان الذي يُمثّل كامل المركز".

كان آخرُ ما نشره زياد العناني على حسابه في فيسبوك قبل إصابته بجلطة دماغية قصيدةٌ جاء فيها:

البيت مازال هو البيت
والدرب ما زال هو الدرب
ربّما لم أره وهو يتغيّر بعد نومك
ولكن
لا عليك
إن ضاعت منك أو ضاع عنك
سيدلّك الحزن
وتقودك
يد البكاء الى جنّتي.

في تلك الأيام، أطلق الشاعر الراحل مدوّنةً على الإنترنت باسم "مدوّنة زياد العناني"، لكنّه لم ينشر فيها سوى ثلاث قصائد بتواريخ 6 و12 و13 تمّوز/ يوليو 2011 ("حدائق الطاغية"، و"كاهنُ ملح يلاعبُ خدرَ المستحمّات"، و"بترا")؛ إذ أوقفه المرض عن الكتابة والنشر.

كاهنُ ملح يلاعبُ خدرَ المستحمّات

1

ماء فضّي
عبّأته الأسطورة بالذنوب
فاستوى في حفرة انهدامه
باستماتة
كاهن ملح
يخطب ودّ فم مرتخ، منخفض في بهائه، وغاطس
في عورة الخلق المتأجّجة.
 
2

لم يأت من عالم آخر، ولم يتّصل ببحر، أو شقيق
.. وظلّ وحيداً
كهدنة ماء، بين شقَّي الجفاف.
لم يكبر قطّ، ولم يتوسّع، ولم يطغ، بل سخّر أصل معادنه الثمينة لكلّ أنوثة
تستحمّ به، وهي فخورةٌ بجرأة ذنبها.

3

أعزل
من قبل ومن بعد، وقيل ميت، لمجرّد أنّه تخفّف من آفات البحار
ولم تدر به معارك، ولم تسجّل فيه هزيمة، أو انتصار
ولم يشهق بدم
أو كارثة مروّعة، ولا هوت فيه سفينة غرقى،
ولا جنحت أُخرى، لتُطلق صرخات النجاة باكية.

4

هو مشدود بالماء
لا ضعف، ولا وهن
يغسل الشمس وتغسله
فلا عجب
إن راح يلاعب خدر المستحمّات بأمواجه المتلذّذة
وهو
يوشوش
ويتحرّش
ويلمس، ويحن بدفء يستدلّ على أعصاب المفاتن ثم يثيرها.

5

به رغبة
لفضح توت الدامعات في عش الخليقة
وبنا أيضاً
به رغبة
يُفصح عنها بالطين السحري، وهو يتربّص بالمسامات 
فيُحيلها نوافذَ يخرج منها الفساد مفتوكاً به.

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون