ليستِ اللغة في وظائفها التواصلية فحسب، بل هي في أحد وجوهها تشكيلٌ بصري من نوعٍ خاص، ومن هُنا نظر فيها الفنّانون وحاولوا تخليص فنّياتها من الحدود البسيطة، والذهاب بها صوب الانتظام الجمالي. وحسبنا ما شكلّته الأبجدية العربية، على سبيل المثال، من مصدر حُروفيّ مُلهِم على المستوى التجريديّ للوحة، والذي تطوّر عبر مراحل تاريخية مُختلفة.
ومثل العربية، شكّلت أبجديات أُخرى مساحاتٍ يُمكنُ استثمارُها بصرياً، ومنها اللغة الأمازيغية التي تتميّز حروفها بتقاطيع هندسية يُمكن للتشكيل أن يتصادى معها، وهذا ما تشتغل عليه الفنانة المصرية فدوى رمضان (1972)، في معرضها "زهرة"، والذي يتواصل في "ياسين آرت غاليري" بـ القاهرة حتى 22 نيسان/ أبريل الجاري.
تستحضر رمضان رمزية الزهرة في لوحاتها، بما فيها من إحالات تتداخل مع الحمولة التراثية والتاريخية، كما تمزج بين نثريّة هذا الكائن الرقيق، وسهولة تواجده في خلال الأمكنة، ونثرية الحروفية الأمازيغية التي تتّخذ بُعداً "مينيمالياً" جَلِيّاً، سواء كدوائر تشغل بياض اللوحة، أو خلفيّات تدفع بالزهور إلى الحيّز البَصَري المركزي الذي يُعاينه المُتلقّي.
كذلك يبدو الخطّ تفصيلاً هندسياً لا يُمكنُ إغفالُه، في بُنية العمل الفنّي، لوهلة يُعيدُنا إلى بداهة التفكير في مكوّناته الأساسية، أي النقاط المتراصّة، وأنّ استطالاته الضخمة ليست سوى مراكمة لتلك "النمنمة" الحروفية الدقيقة. لكنْ، هل هي نمنمة موجّهة أو قصْدِيّة حقّاً؟ أيْ أنّ لُعبةً أوّلية ما، تتشكّل من توهُّم الرقّة الزهورية والخطاطات المُشابهة لها، لا تلبث أن تقول نقيض ذلك؟
وكما الخطوط المُحبَّرة، التي تُفصِّل الجانب الحُروفي من اللوحة، تستعين التشكيلية بـ الخيوط المُلوّنة، مُدخلةً شيئاً من النَّسْج إلى عملها. وعلى هذه الخطوط المشدودة تُعلّق - إن صحّ القول - مروحة ألوانها، بعيداً عن الأبيض والأسود اللذين يبدوان هما الراجحان في "دوائر" اللوحة، قبل أن تتكشّف أشكالٌ أُخرى مشغولة بحضور لونيّ كثيف.
ليست هذه تجربة فدوى رمضان الأُولى مع الأمازيغية، بل تعود إلى عام 2015، حسب ما بيّنت في البيان التقديمي للمعرض. والجدير ذكرُه أنّ في رصيدها مجموعة معارض فردية منها "خطوات" (2008)، و"رحيل عبّاد الشمس" (2010)، و"دواير" (2014)، و"2 × 1" (2015)، بالإضافة إلى معارض جماعية ومشاركات محلية ودولية.