روزا بونور... ترسمين حيث لا يتوقّعك الرجال

24 ديسمبر 2022
"حرث الأرض في نيافر"، 1849 (من المعرض/ Getty)
+ الخط -

قلّة هن النساء اللواتي استطعن فرض أسمائهنّ في عالَم الفنّ التشكيلي الفرنسي خلال القرن التاسع عشر كما فعلت روزا بونور (1822 ــ 1899)، التي عَرفت، خلال حياتها، شهرةً واعترافاً من أقرانها، كانا، في ذلك الوقت، من نصيب الفنّانين الرجال في أغلب الأحيان.

ورغم نشأتها في أُسرةٍ فنّية (كان والدُها، ريمون بونور، تشكيلياً معروفاً في زمانه)، واحتكاكها بعدد واسع من الفنّانين الذين يكبرونها عُمراً، إلّا أنّ الفنانة لن تلتحق بمدرسة أو معهد لتعلُّم مبادئ الرسم، حيث سيبقى والدُها، ومشغلُه، المصدرَين الوحيدَين اللذين تستقي منهما أدواتها الفنية، التي لن تتوقّف عن تطويرها طيلة مسيرتها.

بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لولادة روزا بونور، يُقيم "متحف أورسيه" في باريس، منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحتى منتصف كانون الثاني/ يناير المقبل، معرضاً موسّعاً يحتفي من خلاله بالفنّانة الفرنسية، عارضاً ما يقارب 200 لوحةٍ ومنحوتة وتصميم من أعمالها، أو من الأعمال التي صوّرها فيها فنّانون آخرون.

وفي زمن الأزمات المناخية والكوارث الطبيعية، يسلّط المنظّمون الضوء على طليعية الرؤية التي تميّزت بها بونور، حيث ظلّت الطبيعة، والحيوانات على وجه الخصوص، محور لوحاتها الدائم، حتى إنّ الفنانة عُرفت بكونها من أبرز المدافعين عن حقوق الحيوان في زمانها، بل ومن الناشطين الذين سعوا مبكّراً للحفاظ على عدد من الغابات الفرنسية وتجنُّب إزالتها أو القضاء على بيئتها الحيوية من خلال الصيد.

ظلّت بعيدة عن التيّارات والمدارس التي شغلت فنّاني زمنها

هكذا، يجد زائر المعرض نفسه في ما يشبه الريف الواسع، الذي يتنقّل فيه بين أبقار وعجول تخرج من حظائرها أو تجرّ المحراث فوق أرضٍ رطبة بعد المطر، وبين قططٍ وكلاب مسترخية، أو أغنامٍ يحملها رعاتُها في قارب لنقلها من مكان إلى آخر، أو ربما أمام مجموعة من الأحصنة التي تُحَضَّر للعرض أو المبيع في سوق خاصّة بها.

وكان تعلُّق الفنّانة بموضوعها هذا، أي الحيوانات، وإتقانُها له، من الأسباب التي جلبت لها الكثير من الانتباه في زمنٍ كان الفنّ يُلتفت فيه، بشكل كبير، إلى العوالم الرومانتيكية، أو الداخلية على الأقل، حيث النساء يجلسن في وضعياتٍ غريبة، شهوانية أو حتى تشييئية، أمام فنّانين يرسمونهنّ، لا وراء اللوحة لرسْم حيوانات ورجال.

جانب من المعرض (Getty)
جانب من المعرض (Getty)

هذه النظرة الفريدة لدى بونور أدهشت العديد من نقّاد زمانها، الذين عبّروا عن إعجابهم بعملها بلغةٍ لا تخلو من الذكورية، حيث رسمُها "هو عن حقّ رسمُ رِجال، مليء بالشدّة، والثبات، ومليء بالصدق"، كما يقول الناقد هنري دو لا مادلين. في حين يقول عنها مُعاصرُها الآخر، الشاعر والناقد تيوفيل غوتييه: "لسنا بحاجة لتبنّي لغة تتودّد إلى النساء إذا ما أردنا الحديث عنها (عن روزا بونور). إنها تمارس عملها الفنّي بجدّية، ويمكن لنا معاملتها كرجُل. الرسم عندها ليس تنويعاً على التطريز"!

أمام هذه النظرة التي لا تخرج من ذكوريتها، حيث تفرُّد الفنانة ـ المرأة لا ينال حقّه من الاحترام إلّا عبر "رفعها" إلى مقام الرجل، ظلّت روزا بونور محافظةً على تفرُّدها كفنّانة طيلة حياتها، وعلى مبادئها النسوية وتلك المدافعة عن الطبيعة والحيوان، بل إنّها ظلّت كذلك بعيدةً عن كلّ التيارات الفنّية التي وُلدت ونالت الأضواء في زمانها، من الرومانتيكية إلى الانطباعية والواقعية وغيرها، مؤكّدةً مرّة أُخرى أنّها ليست بحاجة إلى "مدرسة"، أو مدرسة يقودها الرجال، لترسم لوحاتٍ سيسجّلها التاريخ.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون