إذا كان سؤال "نجاح" أو "إخفاق" الثورة السورية قد بدا أقرب إلى تابو في سنواتها الخمس أو الستّ الأولى ــ سنوات انتظار سقوط النظام بين حين وآخر ــ، فإنه قد تحوّل بعد ذلك إلى موضوع لا يتجنّبه أغلب السوريين، حتى أكثر المدافعين عن الثورة حماساً، لِما عرفته انتفاضة السوريين من انتكاسات لم يكن سببها الخارج دائماً ــ بما فيه من نظام وتابعيه ومن صمت "المجتمع الدولي" ــ بل وكذلك من الداخل، من شرائح وفصائل وتوجّهات سياسية فرضت نفسها كجزء من هذه الثورة.
في عددها الجديد، التاسع (نيسان/ أبريل 2023)، تفتح مجلّة "رواق ميسلون"، وهي فصلية سورية تصدر عن "مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر"، هذه المسألة، طارحةً السؤال على الشكل التالي في غلافها: "الثورة السورية؛ هُزمت أم ما زالت مستمرّة؟".
في افتتاحيته، لا يتأخّر الكاتب والمترجم حازم نهار في الردّ على سؤال العدد، الذي نتلقّفه منذ عنوان مقالته: "الهزيمة السورية وما بعدها". وإذا كان نهار يقرّ بأن انتفاضة السوريين كانت "عملاً أسطورياً مدهشاً"، وأنها أدخلت "تغييرات جسيمة في الواقع والعقل" السوريين، بحيث لن تظهر آثارها إلا بعد زمن، فإنه يعترف في الآن نفسه بأن مسارها كان "انحدارياً"، "قاسياً ومؤلماً ومكلفاً بطريقة قلّ نظيرها عبر التاريخ".
ويضيف أن "النقاش حول سؤال ما إذا كانت الثورة السورية قد هُزمت أم لا، تحكمه داخل الأوساط السورية المعارضة، في أغلب الأحيان، أنماط تفكير غير عقلانية ورؤى انفعالية متناقضة وتصوّرات متخمة بالتخبّط والضياع"، وهذه كلّها، بحسبه، "من أعراض الهزائم الشديدة، فضلاً عن أنها كانت أصلاً من أسبابها".
وفي ورقته "النجاح والإخفاق في الثورة"، يناقش الكاتب والمعتقل السياسي السابق راتب شعبو هذين المفهومين، اللذين يلحظ فيهما "قدراً من التعسّف" إذا ما قُرنا بالثورة؛ "فقد تكمن في النجاح بذور فشل تتكشف خلال وقت قصير، وتحيل النصر المفترض إلى هزيمة في عيون مَن خالوا أنفسهم منتصرين. وفي المقابل، قد ينطوي التعثر والفشل على بذور نجاح تهيئ، إذا حَسُن استغلالها، إلى نصر لاحق".
وقبل الدخول في تفاصيل ما عرفته الثورة في السنوات الأخيرة، يلخّص الكاتب مقولته بأن الحديث عن "فشل" الثورة يبقى اختزالياً، "لأنه يغفل ما فعله 'فشل' الثورة في المجتمع، وما أودعت الثورة 'الفاشلة' في تضاعيف المجتمع من تغيرات سوف تتكشف وتظهر طبيعتها في المستقبل".
إلى جانب ورقة شعبو، يشمل الملف أربع دراسات محكّمة أُخرى، في بابه الأوّل، في حين يشمل البابان الثاني والثالث مقالات رأي في الثورة ومآلاتها، وأوراقاً حول "رؤى وتجارب نسوية" شهدتها سنوات الثورة، ووقّعتها كلٌّ من سلوى زكزك وأمل فارس وهدى سليم المحيثاوي.
كما يشمل العدد مجموعة من الدراسات الثقافية والنصوص الأدبية والترجمات والحوارات ومراجعات الكتب والوثائق والتقارير، إلى جانب ملفّ ثانوي بعنوان "شخصية العدد"، خُصّص للمفكّر السوري إلياس مرقص (1927 ــ 1991)؛ ويشمل هذا الملفّ نصّاً لمرقص حول الاشتراكية، ومقالين حول تجربته لكلّ من الزهراء سهيل الطشم ("إلياس مرقص؛ التأسيس يبدأ بالمفاهيم والوعي الكوني") ومضر رياض الدبس ("مفهوم العصر؛ تفلسف على عتبة إلياس مرقص").