أثناء دراسته العمارة في "كلية الفنون الجميلة" بباريس خلال ثلاثينيات القرن الماضي، بدأ رمسيس ويصا واصف يفكر في أسباب تشوّه المعمار المصري الحديث الذي ينتهك الإنسان وثقافته وتراثه، ويقدّم بدلاً من ذلك أبنية إسمنتية باردة وخالية من الروح.
بعد نحو عشر سنوات، التقى المعماري والتشكيلي المصري (1911 - 1974) مع مواطنه حسن فتحي (1900 - 1989)، لتنطلق رحلة بحثهما لتأسيس عمران يعبّر عن الشخصية المصرية بطبقاتها التاريخية المتراكمة، في مواجهة محاولات التغريب المتواصلة التي ساهمت في فصل الإنسان عن واقعه وتشوُّه محيطه جمالياً.
"مدرسة الإبداع الفطري" عنوان المعرض الذي يستعيد تجربة واصف، وتحتضنه "قاعة أوبونتو" في القاهرة منذ مساء أمس الأربعاء وحتى الحادي والعشرين من الشهر الجاري. يضمّ المعرض أعماله الفنية وتصميمات مشاريعه التي تُبرز تاثّره بالعمارتين القبطية والإسلامية مع عناصر فرعونية.
تتنوّع اشتغالات واصف بين النسيح والخزف والرسم، وهي تتمثّل مقولته بأنّ الإبداع الفطري لم يجر استغلاله بعد، وتحتوي مشاهد لمواسم الزراعة والأعراس وزخارف حيوانية ونباتية بطابع تجريدي، وبانوراما تفصّل مشاهد الحياة الريفية حول النيل (الترعة)، ومجالس النساء والرجال حول البيوت أو تحت الأشجار العالية.
ومن أجل تحقيق فلسفته، أنشأ في الخمسينيات "مركز الفنون المحلية" أو "بيت الفن" في قرية الحرانية (التابعة لمحافظة الجيزة)، لإعادة توطين فنون صناعة السجّاد والكليم (منسوجات الصوف) عبر تعليمها للأطفال، حيث يجري صنعها يدوياً على الأنوال الخشبية وصبغها بالأصباغ الطبيعة المستخرجة من نباتات الشاي والفول والكارفور التي يتم زراعتها في أرض المركز.
إلى جانب ذلك، صمّم واصف العديد من المباني استوحاها من مفردات تراثية، مركّزاً بشكل كبير على استدامة عمارة تمتلك وظائف مريحة وعملية، وقام بتوزيع الغرف والقاعات ضمن حسابات تبتغي الاقتصاد بالتكلفة وتوفير أفضل الخيارات، دون التخلّي عن جماليات التصميم.
تعكس أعمال لمعرض، كما نقرأ في بيان المنظّمين، "كوزموبوليتانية المجتمع المصري، فبها تجد عيناك طريقها إلى نخيل النوبة وألوانها المبهجة، وكذلك جمال الواحة ورمال الصحراء الذهبية وبها زِيّ الفلاحين والفلاحات، الكادحين على قوت يومهم، وبها مشاهد ميّزت الساحل المصري؛ ما يجعل هذه القطع نموذجًا مثاليًا لطرح المجتمع المصرى بصريًا على مختلف ألوانه".