"رمسيس راح فين؟" لعمرو بيومي.. السلطة في حضورها الأبوي

24 سبتمبر 2023
ميدان رمسيس قبل إزالة التمثال (من الفيلم)
+ الخط -

كيف يُمكن أن نقرأ حضور التماثيل في الساحات العامّة؟ وكيف نقرأ اختفاءها؟ هذا ما يُحاول الإجابة عنه الشريط الوثائقي الذي وقّعه المُخرج المصري عمرو بيومي عام 2019، وحمَل عنوان "رمسيس راح فين؟" (62 دقيقة)، وتُتيحه منصّة "أفلامنا" عبر موقعها الإلكتروني حتى الرابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل.

في لحظة معيّنة، بعد الثورة في مصر عام 2011 التي أطاحت حُكم حسني مُبارك، الرجل الذي كان يتبوّأ أعلى مراكز السلطة آنذاك، يتذكّر بيومي أنه قام بتوثيق رحلة تمثال رمسيس الثاني بكاميرته عام 2006. امتدّت الرحلة من ميدان رمسيس، أحد أكبر الميادين في القاهرة، إلى منزل رمسيس الجديد في "المتحف المصري الكبير". وكانت هذه أكبر عملية نقل شهدتها شوارع القاهرة على الإطلاق، واستغرقت أكثر من 12 ساعة. وهذا ما يُحاول أن يرويه من خلال زاوية أبعد من مجرّد عملية نقل، بل تحاول كشف علاقة السلطة بالشعب، وعلاقته مع والده الذي كان رمزاً للسلطة العليا في ريعان شبابه.

وَضْعُ التمثال ونقلُه ارتبطا بقرار سياسي وتحوّلات اجتماعية

يبدأ العمل، الذي نال جائزة أفضل فيلم وثائقي في "مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والوثائقية" عام 2019، بعرض الوجه الإجرائي لعملية النقل، والتحدّيات التي واجهت القائمَين عليها: أحمد محمد حسين ومصطفى عبد الرؤوف، خصوصاً أنّ حضور رمسيس الثاني في مكانه قد بات تفصيلاً من مشهد الميدان، اعتاده الناس وتآلف مع الطبيعة العمرانية للمكان، وهذه أشياء تقول الكثير بالمعنى النفسي للكلمة. نحن أمام عناصر مُتداخلة، واللعبة تبدأ بأيّ من هذه العناصر نلتقط أوّلاً.

الشخصي والخاص يحضر أيضاً في الشريط، حيث يتدخّل المخرج راوياً للأحداث، يُعيد سرد الذكريات بوصفه واحداً من أولئك الناس الذين مسّهم سحرُ التمثال، لكنّهم في الوقت عينه لم يعوا أنّ هذا الحضور سُلطويٌّ في أحد وجوهه، أو بالأحرى، وعيهم برمزية القوّة فيه سيسلب المشهد شيئاً من "سحره"، تماماً كما تخترق قِيَمُ الأبَوِية الحارسة المجتمع والعائلة، فتعيد توزيع المهامّ ومُحاصصة المراتب بين أفراد الأُسرة. كذلك رمسيس التمثال ليس بعيداً عن هذه الرؤية.

ومن علاقة الابن بأبيه، ننتقل إلى علاقة الشعب بحاكِمه، وهي جوهر الفيلم، فرمسيس الذي حكم مصر الفرعونية بين عامَي 1279 و1213 ق. م، تدور حوله الكثير من الأساطير، لكنّه بالمحصّلة يبقى رمزاً للحاكم المُطلَق، وهي الصفة التي تنطبق على حكّام مصر في القرن العشرين، الذين حصروا القرار في أيديهم تحت مقولات حماية الثورة والسيادة الوطنية. هل عادت هذه المقولات لتنتعش بعد ثورة يناير 2011؟ أليس من المفترض أنّ الثورة جاءت لتضع حدّاً لهذه الوضعية الديكتاتورية/ الانقلابية؟

"رمسيس راح فين؟"، الجوابُ عن هذا السؤال، بعد مكوث التمثال في الميدان مدّة خمسين عاماً (1956 - 2006)، لا يتمثّل في المتحف، بشكل أكيد، فالتمثال وُضع وأُزيل نتيجة قرار سياسي، هذا الأخير وما يرتبط به من تحوّلات اجتماعية هو الجواب الحقيقي، وهو ما يريد بيومي أن يلفت إليه في شريطه.

المساهمون