رحل أمس المحلل النفسي المصري مصطفى صفوان (1921-2020)، في منزله بباريس، تاركاً خلفه إرثاً وتجربة نادرة في التحليل النفسي استند فيها إلى مدرسة جاك لاكان، حيث وصف بأنه أكثر تلاميذ لاكان إخلاصاً لفكره ومنهجه.
درس صفوان الفلسفة في الجامعة المصرية بداية من عام 1939، ثم درس التحليل النفسي، وكانت نشأته في عصر يعجّ بأقلام لا تزال تؤمن بفكرة النهضة العربية، من عبد الرحمن الرافعي والعقاد وطه حسين والمازني، إلى جانب تبلور حركة الترجمة الفكرية. وقد ولد في عائلة متنورة وتلقى تعليمه بلغات مختلفة في عمر مبكر، إلى أن قبض على والده الأزهري، بتهمة ارتباطه بالشيوعية.
نشأ صفوان وفقًا للمبادئ العقلانية، وكان يحلم منذ سنوات مراهقته بالذهاب إلى كامبريدج. لذلك تابع دراساته في الفلسفة أثناء دراسته اليونانية واللاتينية والفرنسية والإنكليزية إلى جانب تطوير مؤهلاته في العربية الفصحى. في عام 1940 اكتشف العمل الفرويدي، من خلال تدريس مصطفى زيوار ، عضو جمعية التحليل النفسي في باريس، الذي نصحه بالذهاب، ليس إلى إنكلترا بل نحو فرنسا للتدرّب على التحليل النفسي.
من أبرز مؤلفاته التي نقلها إلى العربية مصطفى حجازي "الكلام أو الموت" و "لماذا العرب ليسوا أحرارًا"
ترك صفوان مصر في عام 1946، إلى فرنسا والتحق هناك بجامعة السوربون، والتقى بلاكان اللقاء الذي يصفه بأنه لقاء غير مجرى حياته تماماً، فارتبط الراحل بجماعات وتحولات وانشاقات حقل التحليل النفسي في باريس. أسس مع آخرين "الجمعية التأسيسية للتحليل النفسي"، في عام 1983، وأصبح عضواً في "المؤسسة الأوروبية" للتحليل النفسي".
من أبرز مؤلفاته التي نقلها إلى العربية مصطفى حجازي: "الكلام أو الموت (اللغة بما هي نظام اجتماعي: دراسة تحليلية نفسية)"، و"أربعة دروس في التحليل النفسي، و"لماذا العرب ليسوا أحرارًا"، و"حضارة ما بعد الأوديبية"، و"نحو عالم عربي مختلف"، و"الجنسانيّة الأنثوية"، و"فشل مبدأ اللّذة"، و"اللاّشعور وكاتبه"، و"الطّرح وشوق المحلل"، و"ضيق في التّحليل النّفسي" وغيرها.
ترجم صفوان إلى العربية "تفسير الأحلام" لفرويد، و"العبودية الطوعية" لـ دي لابويسي، كما نقل مسرحيات شكسبير إلى العامية المصرية.
انتقد صفوان في أحاديثه ولقاءاته علاقة المصريين بالحكم، والدولة التي تمارس العنف باعتباره ممارسة مشرّعة من السماء، يقول: "الشعب المصري أنشأ دولة أصبح عبداً للحاكم فيها، فالدولة لا تسمح بتعاون الأفراد ولا يربط الجميع إلا الزعيم وهذا إن اختفى فعليهم أن ينتظروا زعيماً آخر".