رحيل محمد صالح بن عمر.. نقد الحداثة الأدبية التونسية

06 مايو 2023
محمد صالح بن عمر (1949 - 2023)
+ الخط -

في نهاية ستّينيات القرن الماضي، بدأ الكاتب والمُترجم التونسي محمد صالح بن عمر (1949 - 2023)، الذي غادر عالمنا أمس الجمعة، نشَر مقالاته النقدية الأُولى حول موجة الحداثة في السرد التونسي، حيث وضع عشرات الدراسات والكتب، قبل أن يعتزل الوسط الثقافي عام 2009.

أنهى بن عمر دراسته الثانوية في ضاحية قرطاج التي وًلد فيها، ليعمل في الصحافة في سن مبكرة، وتُوجّت تجربته هذه بكتاب أوّل حمل عنوان "أشكال القصّة الجديدة في تونس" الذي صدر عام 1972، تتبّع خلاله ظهور النصوص القصصية في الثلاثينات؛ وهي الفترة التي ظهرت فيها بمواصفاتها الغربية.

وتوزّعت تلك المحاولات بين تيّارين متقابلين: أحدهما غلب عليه الطابع الرومنسي ومعالجة قضايا المجتمع الريفي ورائده هو محمّد البشروش، والتيار الآخر اتّجه إلى تصوير أحوال المجتمع الحضري في مدينة تونس وممثّله هو علي الدوعاجي.

توزّعت اهتماماته على النقد الأدبي والترجمة وأدب الرحلة والدراسات اللغوية

كما درس بن عمر التيار الذي عُرف بـ "القصّة الطلائعية" في نهاية الستّينيات وبداية السبعينيات. وتجسّدت في صدور عدد من القصص فُجّرت فيها البنية الكلاسيكية باستخدام تقنيات التناص مع التراث السرديّ الفصيح أو الشعبي وهدم الحواجز القائمة بين السرد والشعر والمسرح والمقال الإخباري والإفادة من تقنيات الرسم والمعمار والسينما، وتَشكّل التيار في مدرستين متقابلتين متجادلتين؛ إحداهما كلاسيكية، وهي امتداد للموجة القصصية الأولى التي قادها محمّد البشروش وعلي الدوعاجي في الثلاثينات، والأخرى تجريبيّة.

واصل صاحب كتاب "محاضرات في الأدب التونسي" رصد المشهد القصصي في تونس الذي تطوّر في بداية التسعينيات، حيث تحوّلت المدرستان الكلاسيكية والتجريبيّة إلى أسلوبين في الكتابة يمكن أن يتداول على استخدامهما الكاتب الواحد طبقاً لما يقتضيه موضوع قصّته، وزحف الشعر على السرد خلال هذه المرحلة.

توزّعت اهتمامات بن عمر بين النقد الأدبي والترجمة وأدب الرحلة والدراسات اللغوية، وترأّس أيضاً تحرير مجلّة "مشارف"، الثقافية الإلكترونية، التي تأسّست في حزيران/ يونيو 2015 وتواصل صدورها حتى عام 2000، حيث نشر فيها العديد من الدراسات حول نماذج أدبية عديدة مثل محمّد بوحوش، وعبد الفتاح بن حمودة، وجعفر ماجد، ومحمّد الهادي الجزيري، وبسمة البوعبيدي.

كما نشرت له "دار أديلفر" الفرنسية سبع مجموعات شعريّة ترجمها إلى الفرنسيّة للشاعرات السوريات سوزان إبراهيم وليندا عبد الباقي وأميمة إبراهيم، والعراقيّين عدنان الصائغ وحمدان طاهر المالكي، والتونسيّ محمّد عمّار شعابنية وغيرهم.

أصدر بن عمر مؤلفات عدة، من بينها: "العربيّة وثورة المناهج الحديثة" (1986)، و"مختارات الشعر التونسي الحديث والمعاصر" (1990)، و"منهجية لتدريس بنية الاسم المورفيمية في اللغة العربية" (1999)، و"إطلالات على المشهد الحكائي في تونس" (2007).

المساهمون