صحيح أن الحروفية أخذت موقعاً رئيساً في الثقافة البصرية العربية، لكنها ظلّت محكومة بكثير من التشابه وتعلّق بالرؤية التراثية للحرف، إلا في تجارب قليلة عرفت كيف تشقّ طريقاً آخر بالحرف العربي.
من هذه التجارب ما قدّمه الفنان الليبي علي عمر أرميص (1945 - 2021) الذي رحل عن عالمنا أول من أمس، وبفضل جرأته على الخروج بالحرف العربي عن المألوف والمنتظر حقّق شهرة عالمية وكان أحد أكثر الفنانين العرب حضوراً في غاليريهات العالم وبيناليهاته، وأيضاً في المجموعات القارة لمتاحف الفن الحديث، كما صدرت دراسات إستيطيقية لأعماله.
قد يكون أحد أسباب هذه الشهر العالمية استقرار الفنان الليبي في أوروبا، بدءاً من الثمانينيات وأقام أولاً في إيطاليا ثم في بريطانيا (حيث رحل)، ولكن لا يمكن أن نغفل خصوصيات فنّه وتفرّده، ليس فقط باختيار الحرف كمادة بل أيضاً عبر الأحجام الكبيرة التي اتخذها لعدد كبير من لوحاته، وأيضاً لخياراته اللونية التجديدية.
كذلك جعل أرميص من اللوحة الحروفية قناة لتمرير عدة رسائل وأفكار، لعلّ أبرزها سلسلة لوحات "يا ضمير العالم"، كما أنه قدّم في أعماله مدونة أدبية-فكرية كانت مجموعة من المقتطفات التي نهلها من التراث العربي القديم، وأيضاً من آداب العالم.
حضور القيم الإنسانية الكبرى يمكن اعتباره أحد أركان فن أرميص، إنه بمعنى ما فنان ملتزم، ليس بالمعنى الذي كان يمنح للفنانين المرتبطين بالأيديولوجيات اليسارية وإنما باعتباره فناناً مهموماً بقضايا الإنسان المظلوم والمعتدى عليه سياسياً وبيئياً.