حين قدّم المخرج السوري حاتم علي (1962 - 2020)، مطلع الألفية، عمله الدرامي "الزير سالم"، كان قد وضع نفسه - على الرغم من أنه في بدايات مشواره - كأحد أهم مخرجي الدراما العربية، فقد مثّل العمل نقطة فارقة في مسارات عدة، فلحظتها أخذت الأعمال السورية أسبقية على المنتج المصري لأوّل مرة، وتلاقت في ذلك العمل عناصر إبداعية شتى من النص إلى الأداء والأكسسوارات لتقدّم للمجتمعات العربية، من العراق إلى المغرب، لحظة من الوحدة الثقافية نادرة في زمننا.
لكن يبقى أهم ما في هذا العمل أنه نجح في تحدٍّ كثيراً ما تخفق فيه محاولات المخرجين، وهو تحويل المادة التاريخية إلى فن حيّ ومعاصر يتعايش معه الجمهور باعتباره قطعة من الحياة لا مجرّد مادة إخبار أو تذكير بأمجاد الماضي. وهنا كان مسلسل "الزير سالم" فارقاً إلى حد كبير، ولعله إلى اليوم أنجح المسلسلات التاريخية على مستوى مصداقية التوتر الدرامي للشخصيات.
عرف علي - الذي رحل عن عالمنا اليوم من القاهرة - كيف يدعم هذا الموقع في السنوات اللاحقة، فقد أخرج أعمالاً أخرى لا تقلّ قيمة، أبرزها الثلاثية الأندلسية (بين 2002 و2005) التي تعاون فيها مع طاقم موحّد، يبدأ بالكاتب وليد سيف، ويمتد إلى الممثلين جمال سليمان وسلاف فواخرجي وتيم حسن ومحمد مفتاح. قدّمت المسلسلات الثلاثة؛ "صقر قريش"، "ربيع قرطبة"، "ملوك الطوائف"، قراءة معاصرة بعيدة عن كل نوستالجيا كانت تحيط بالعودة للأندلس في المخيلة العربية.
استمر علي في هذه النزعة إلى المشاريع الكبرى في "التغريبة الفلسطينية" (2004)، ولاحقاً في مسلسل "عمر" الذي كان أوّل عمل درامي عربي يجرى فيه تجسيد الخلفاء الراشدين. كان ذلك في 2012 وهي السنة الأخيرة من سنوات انفتح قوسها بداية الألفية الجديدة وعرفت تعاوناً عربياً على مستويات عدة من الإنتاج إلى الأداء فأنتجت ما يمكن أن نسمّيه اليوم بالزمن الذهبي للدراما العربية المشتركة.
انحسر عطاء علي بعد ذلك. ظهر على أعماله ميل نحو التجريب، فأخرج في 2017 عملاً ضمن الفانتازيا التاريخية بعنوان "أوركيديا"، وفي 2015 دخل مغامرة عجيبة باشتغاله على تحويل فيلم "العرّاب" الأميركي إلى مسلسل عربي، وضمن نفس الطرح ذهب إلى مغامرة معقّدة بتحويل مسرحية رحبانية (هالة والملك) إلى فيلم سينمائي غنائي حمل عنوان "سيلينا".
كانت هذه الأعمال تشير من وراء مَشاهدها إلى أن شيئاً ما ضاع في أعمال حاتم علي. صحيح أنه اتخذ موقعاً جديداً ضمن الساحة الفنية المصرية، ولكن هل إن الأمر خيار حقيقي. لم تكن مصر، في الحقيقة، سوى الفضاء الوحيد المتاح في المشهد العربي، ومن الواضح أنه فضاء لم يكن يتسع لحجم طموحات حاتم علي، تلك التي ربما كان يمنّي النفس أن يعود لتنفذيها من سورية مجدداً.