رحيل جان كلود كاريير: حياة مع النصّ السينمائي

09 فبراير 2021
جان كلود كاريير في منزله في باريس، 2001 (Getty)
+ الخط -

مثل كثير من كتّاب السيناريو، ظلّ شخْصُ جان كلود كاريير قابعاً لسنوات طويلة في الظُلمة، بينما كانت الأفلام التي كتبها، أو أعدّها انطلاقاً من رواية ما، مغمورةً بالأضواء. ولعلّ حضور الكاتب، الذي رحل أمس الإثنين عن عالمنا عن تسعة وثمانين عاماً (من مواليد عام 1931)، في الثقافة العربية مثالٌ على هذه المفارقة.

فاسم كاريير لا يبدو مألوفاً إلا لقلّة من السينيفيليين العرب، الذين يقومون بمجهود آخر غير متابعة الأفلام، مثل القيام ببحث حول كاتب سيناريو فيلمٍ ما، ومحاولة العثور على فيلم آخر مِن تأليفه، والاهتمام بتجربته بحدّ ذاتها. أمّا الأفلام، أو على الأقل بعض الأفلام، التي كتب نصّها الأصلي أو استمدّها من عمل أدبيّ، فتكاد تكون من كلاسيكيات السينما اليوم. الحديث هنا، بشكل خاص، عن "يوميات خادمة" (عن رواية أوكتاف ميربو، 1964)، و"بل دو جور" (أو "مجد الصباح"، عن رواية جوزف كيسيل، 1967) و"سحر البرجوازية الخفي"، و"غرَضُ الرغبة الغامض هذا" (عن "المرأة والدمية" لبيير لويس،1977)، وجميعها من إخراج الإسباني لويس بونويل.

ويُضاف إلى هذه الأعمال شريطُ "انجوا بجِلدِكم - الحياة" (1980) من إخراج السويسري الفرنسي جان لوك غودار، وكذلك فيلمُ "خفّة الكائن التي لا تُحتمل"، الذي أعدّه كاريير للسينما عن رواية ميلان كونديرا المعروفة، وأخرجه (1988) الأميركي فيليب كوفمان.

هذا عربياً. أما فرنسياً، فكاريير معروف، إضافة إلى هذه العناوين، بفضل عدد من الأفلام التي حازت شعبية كبيرة وقتَ خروجها إلى الصالات، مثل "اللصّ" (1967) من إخراج لوي مال، والذي عرّفه بالجمهور الكبير، و"المسبَح" (1969) و"بورسالينو" (1970)، من إخراج جاك دوريه، واللذين نالا شهرة واسعة وحققا نجاحاً كبيراً في الصالات. 

نجاحٌ سيُكَرَّس، ويُصدَّر إلى خارج فرنسا، في التسعينيات، مع اقتباسه لمسرحية إدمون روستان المعروفة، "سيرانو دو بيرجوراك" (1990)، من إخراج جان بول رابنو وبطولة جيرار ديبارديو؛ وقد حصل هذا الفيلم، في سنة ظهوره وفي السنة التالية، على عدد كبير من الجوائز، في فرنسا ("كان" لأفضل ممثل وللمثل التقني، وعشر جوائز "سيزار") وفي الولايات المتحدة ("غولدن غلوب" أفضل فيلم أجنبي، "أوسكار" أفضل تصميم أزياء) وبريطانيا (أربع جوائز "بافتا")، وغيرها.

استمرّ، طيلة مسيرته في اقتباس أعمال أدبيّة تفارق إلى حدّ بعيد الذوق التجاري السائد

لا يختلف المطّلعون على تجربة جان كلود كاريير في القول بأن الرجل يُدين بالكثير لشراكته الطويلة مع المخرج الإسباني السوريالي لويس بونويل. لكن المقابل صحيحٌ أيضاً، فإذا ما نظرنا إلى أغلب الأعمال التي نجح فيها بونويل، نرى اسم كاريير في مكان ما من الظل، وراء المخرج الشهير. ومن الملحوظ أيضاً في تجربة الكاتب وكاتب السيناريو الفرنسي استمراره، طيلة مسيرته، في اقتباس أعمال أدبية تفارق، إلى حدّ بعيد، الذوق التجاري الذي فرض نفسه على العلاقة بالفن السابع، وربما يصعب إعادة ابتكار جمالها سينمائياً، ما يقلل حظوظ هذه الأفلام المقتبَسة في الشهرة، ويجعلها أقرب إلى الوثائق البصرية عن عمل أدبيّ من طراز رفيع. 

الحديث هنا عن اقتباسات لم تنل شهرة أعماله المقتبسة الأخرى ("بل دو جور"، "يوميات خادمة"، "غرَضُ الرغبة الغامض هذا"، "خفة الكائن التي لا تُحتمل")، مثل "القليل من الشمس في الماء البارد" عن رواية فرانسواز ساغان التي تحمل العنوان نفسه (إخراج جاك دوريه، 1971)، و"طبل الصفيح" عن رواية غونتر غراس (إخراج الألماني فولكر شلوندورف، 1979)، و"غرام سوان" عن رواية مارسيل بروست (إخراج شلوندورف أيضاً، 1984)، و"الممسوسون" عن رواية فيودور دوستويفسكي (إخراج البولندي أندريه فايدا، 1988).

وإلى جانب نصوصه السينمائية، وضع جان كولد كاريير، بدءاً من عام 1957، العديد من المؤلفات في الرواية والشعر والمحاولة، كان آخرها كتابا "مشاغل" و"المهابهارتا"، الصادران عام 2019.

المساهمون