استمع إلى الملخص
- بعد عودته من باريس، أقام ساسي معارض بارزة في تونس، حيث لفت انتباه النقاد بتعامله مع اللون والضوء، وسعى للتحرر من هيمنة "مدرسة تونس" الفنية، معارضًا احتكارها للمشهد الثقافي.
- حوّل ساسي مرسمه إلى منتدى ثقافي، جامعًا بين التجريد والتشخيص، ومنفتحًا على الشعر والموسيقى والمسرح والفلسفة، مما جعله شخصية مؤثرة في المشهد الثقافي التونسي.
رحل، صباح اليوم الخميس، الفنان التشكيلي التونسي محمد الأمين ساسي (1951 - 2024)، الذي يُعدّ من أبرز الفنانين التجريديين في بلاده، من خلال نتاجه الكثيف في العديد من المعارض، وكذلك آرائه التي تخالف السائد في المشهد التشكيلي التونسي.
وُلد ساسي في ولاية منوبة شمال غربيّ تونس، ونال الإجازة في الفنون التشكيلية في اختصاص الرسم الزيتي من "المعهد التكنولوجي للفن والهندسة المعمارية والتعمير" في تونس العاصمة عام 1974، وحصل على منحة تفرّغ فنّي في حيّ الفنون بباريس عام 1977.
تأثّر الفنّان الراحل بأستاذه رفيق الكامل (1944 - 2021)؛ أحد روّاد المدرسة التجريدية في تونس، والذي ركّزت أعماله على الحياة اليومية في مدن تونس، موثّقاً الأشياء البسيطة مع عناية أكبر بالتقنيات، وهو ما انعكس على تجربة تلميذه الذي ذهب إلى التفاصيل التي كان يعيد ترتيبها من منظوره الخاص.
يُعدّ التشكيلي الراحل أحد أبرز الفنانين التجريديين في تونس
بعد عودته من العاصمة الفرنسية، أقام معرضه الأوّل في "رواق التصوير" عام 1979، ثم معرضاً ثانياً في "قاعة الأخبار" سنة 1981، ومن هناك بدأ اسمه بالتداول في الأوساط التشكيلية، وحظي باهتمام النقّاد الذين ركّزوا على تعامله مع اللون وتوزيع الضوء في اللوحة.
في هذه المناخات، تولّد اتجاهه نحو مزيد من التجريب ضمن سعيه للتحرّر من سطوة "مدرسة تونس"، التيار الفنّي الذي تأسّس عام 1936، وظلّ مُهيمناً على الساحة التشكيلية في البلاد، دون مواكبة للتحوّلات الجذرية التي كان يشهدها الفنّ التشكيلي خصوصاً في السبعينيات. كذلك أتت معارضة ساسي وفنانين آخرين لرموز المدرسة بسبب احتكارهم توجّهات المؤسّسة الثقافية الرسمية وإعاقتهم كثيراً من المشاريع الفردية والجماعية.
على خطى رفيق الكامل، مزج الأمين ساسي بين التشخيصية والتجريد في العديد من أعماله، واقترب من أسلوب المنمنمات في رسم مفردات العمل الفنّي، مع تركيز على الشخصيات الذكورية والنسائية التي قدّمها حائرة ومتعبة وتائهة تتوق إلى الحرية، ولم يهتمّ كثيراً بتفاصيل المكان والمعمار الذي شغل تجارب عدد من مجايليه.
حوّل الفنان الراحل مرسمه إلى منتدى للكتّاب والفنّانين لطرح وجهات نظرهم في الثقافة والشأن العام. ويشير نعي وزارة الشؤون الثقافية التونسية في بيانها إلى أنّ "تجربته الجامعة بين التجريد والتشخيص كانت منفتحة على نوافذ الشعر والموسيقى والمسرح والفلسفة والكتابة السردية والسياسة والرقص والسينما".