رحيل آنا لويزا أمارال.. الفردوس أحياناً

29 اغسطس 2022
+ الخط -

"يا له من أحدٍ غبي، اليوم الأشد تعاسةً وحزناً. الأحد يومٌ مُنْغلِق: الواقع يكمن هناك، بلا أمل، بلا زخارف، أي بلا فن، هكذا كان الأحد الماضي، بلا زخارف، بلا فن، لمّا فتحت صفحات هذه الجريدة، وقرأت ما لم أكن أرغب في قراءته: موتك يا عزيزتي آنا لويزا أمارال.

غيابك سيترك الكثير من الأشخاص من بيننا يتامى حماسك وشِعْرك وكرمك الاستثنائي. الأستاذة "الغريبة" التي تسبح ضد تيار العجرفة والملل من كثرة المكاتب في الجامعة، امرأة مدهشة، قريبة ومباشرة، واقعية مثل الحياة ذاتها، لكنها تتسربل بفن الكلمات والإنسانية والتواضع في حالة خالصة.

هذا الخميس، في روتا، تذكّرنا ألمودينا غرانديس بعاطفة جياشة، ومن ذلك الركن ذاته تذكرك، حواراتنا في بورتو، سجائرك، حيويتك الخارقة، سيارتك المتهالكة، موسيقية نبرتك، كل ما قدمته لي عبر رفقتك". هكذا علقت الشاعرة الأوروغوايانية كريستينا بيري روسي، صديقة خوليو كورتاثار، التي كانت قد حازت، قبل آنا لويزا أمارال "جائزة الملكة صوفيا للشعر الإيبيرو- أميركي".

من أبرز تجارب الشعر في البرتغال ومن أصواته النقدية 

لكن آنا لويزا أمارال، التي تحدثتُ معها لآخر مرة، بعد مشاركتها في افتتاح الشق الافتراضي من مهرجان مديين، وهنأتها على القصائد الجميلة التي قرأتها، أخبرتني بلغتها الإسبانية الجميلة والصافية من حيث إتقان تلفظها، أن الأمور لا تسير بشكل جيد بخصوص وضعها الصحي، فقد دخلت منذ بضعة أعوام في معركة طويلة ومفتوحة مع داء السرطان الذي لم يمهلها. رحلت الشاعرة عن عمر يناهز ستة وستين عاماً.

سألتني، خلال حديثنا، أين وصل مشروع ترجماتي لشعراء بلدها، فقد كانت تعرف أنني أعد أنطولوجيا للشعر البرتغالي، وهو موضوع تحدثنا عنه كثيراً قبل ذلك. آنا لويزا كانت تحب هذا التاريخ المشترك الذي يربط البرتغال بالمغرب، لذلك كان يهمها أن تترجم قصائدها للغة العربية على وجه الخصوص، هذا بالإضافة إلى تعاطفها العميق مع القضية الفلسطينية التي كانت تعتبرها قضيتها أيضاً، وكانت تؤمن بأن كتابة الشعر شكل من أشكال مقاومة الموت في وجوهه المختلفة؛ سواء بالنسبة إليها أو بالنسبة إلى الشعراء الذين نذروا أنفسهم لقضايا شعوبهم ضد الاجتثاث والإبادة، لذلك فهي غير ما مرة تحدثت عن مفهوم الحاجة إلى الشعر، وضرورة مصاحبته للإنسان في الوجود والحياة... لذلك يُقال أيضاً عن شعرها إنه تخترقه قوى تصارع ما بين شفافية اليومي ورقّته، وبين التعالي على الابتذال والتفاهة وهما يغمران الحياة والسياسة.

الصورة
كتاب آنا لويزا أمرال - القسم الثقافي
آنا لويزا أمارال (آنا كوستا)

آنا لويزا أمارال (لشبونة، 5 نيسان/ إبريل 1956 - ليسا دا بالميرا 5 آب/ أغسطس 2022) من أبرز أصوات الشعر في البرتغال. درست فقه اللغات الجرمانية (الإنكليزية) في "كلية الآداب" بجامعة أبورتو. في عام 1985 تقدمت لاختبارات الكفاءة التربوية والعلمية في تخصص الأدب الإنكليزي. وعام 1996 نالت شهادة الدكتوراه في تخصص الأدب الأميركي بأطروحتها حول "إميلي ديكنسون: شعرية الإفراط"، ثم صارت بعد ذلك باحثة مرموقة وأستاذة كرسي الأدب الأنكلوأميركي في "جامعة أوبورتو".

وفي مجال الترجمة، نقلت إلى البرتغالية العديد من الأسماء: وليم شكسبير، ومارغريت أتوود، وجون أبدايك، ولويز غلوك، وإميلي ديكنسون وآخرين. ومن البرتغالية إلى الإنكليزية ترجمت مُواطنها ماريو دي سا كارنيرو... كما نشرت العديد من بحوثها وأعمالها الأكاديمية في البرتغال وخارجها حول الشعر الإنكليزي والأميركي وفي الشعر المقارن والدراسات النسائية.
وهي أيضاً واحدة من النساء الرائدات في بحث ودراسة مواضيع ترتبط بمقاربة النوع الاجتماعي في البرتغال، وقد اشتركت مع زميلتها غابرييلا ماسيدو عام 2005 في إصدار "قاموس النقد النسوي".

الشعر لا يبني بيتاً، لكنه لهذا السبب أساسي بشكل مطلق

أصدرت آنا لويزا أمارال ما يقارب عشرين ديواناً شعرياً، من بينها: "سيدتنا، سيدة ماذا؟" (1990)، و"أشياء الرحيل" (1994)، و"ملاحم" (1994)، و"أحيانا الفردوس" (1998)، و"صور" (2000)، و"تشكُّل الحبّ" (2005)، و"ما بين نهرين وليال أخرى" (2007)، و"إن كان ثمة فاصِلٌ" (2009). وفي 2020 أصدرت "ماذا في الاسم" الذي نال "جائزة كتاب السنة" في الشعر لـ "نقابة كتبيّي مدريد" في العام نفسه.

كما حصلت على العديد من الجوائز الأدبية خلال مسيرتها الشعرية لعل أهمها "جائزة الملكة صوفيا للشعر الإيبيرو - الأميركي" عام 2021، و"الجائزة الكبرى لجمعية الكتّاب البرتغاليين"، و"جائزة جيوسيبي أثيربي"، و"جائزة نادي القلم في السرد"، و"الجائزة الأدبية كورينتي ديسكريتاس"، و"الجائزة الكبرى لمؤسّسة روما"، و"جائزة ليتيو"...

تلخص آنا لويزا الشعر بقولها: "الشعر هو ترياق ضد الهمجية والكراهية (...) يحتاج الشعر إلى زمن للقراءة وللتفكير، بشكل يمكن أن يكون فضاءً لكي نتوقّف ونمشي بشكلّ متأنٍ، أن يكون بيتاً حيث تستطيع أن تفكر وتحس بشكل أكثر مهلاً، وليس بهذه السرعة الجنونية التي نعيش بها. إلى جانب ذلك، يحتوي الشعر على جمال، والجنس البشري يحتاج إليه. الشعر، مثله مثل اللوحة أو السمفونية تماماً، لا جدوى منه، لا يبني بيتاً، لكنه على وجه التحديد لهذا السبب هو أساسي بشكل مطلق".


* شاعر ومترجم من المغرب

المساهمون