راؤول زوريتا.. جحيم الشاعر وجنة الإنسان

15 فبراير 2023
نضال لتحرير الشعوب وضد الطبقية
+ الخط -

عبر حسابه على تويتر، هنّأ المرشّح السابق للرئاسة في تشيلي، دانيال حذوة المنحدر من أصول فلسطينية، صديقه الشاعر راؤول زوريتا بفوزه بـ"جائزة فيدريكو غارسيا لوركا للشعر".
 
تهنئة مستحقّة ومتوقّعة من شخصية دعمها زوريتا خلال سباق الرئاسة العام الماضي. فكلاهما يحمل أفكاراً أُممية، تتمثّل في محاربة الطبقية والنضال ضدّ الظلم وتحرير الشعوب. وفيما يخوض حذوة السياسة متمسّكاً بأفكاره الرافضة للهيمنة الغربية ومناهضاً للصهيونية.. يمضي زوريتا في طريق الشعر، ممتنعاً عن حصر تعريفه في زاوية سياسية أو اجتماعية.

حينما أَجريت معه لقاء قبل سنوات وسألته عن معنى الشعر، تحدّث عن جحيمه، قائلاً: "ماذا يمكن لشخص أن يفعل لامرأة قتلوا ابنها؟ لا يمكن له سوى أن يعانقها.. هذا هو الجحيم بذاته.. جحيم الشعر، لأن الشعر سيظلّ عصيّاً على تفسير تلك الحالة، هناك أشياء عصيّة على الشعر". 

مقتل إنسان واحد - برأي زوريتا - هو فشل للبشرية جمعاء

ولإِحساسه بصعوبة تلك الأشياء، التي لا يستطيع الشعر نفسه نقلها، يخلق زوريتا مفردات وتراكيب شعرية تفسّر الحالات الخاصة التي يمرُّ بها حين يكتب القصيدة. والحالات، بطبيعة الحال، لا تختلف عن حياته اليومية، فوجهه وكلامه ونبرة صوته وانفعالاته كلّها تكشف عن شخص شديد الحساسية تجاه الأشياء، منها مثلاً علاقته بطبيعة تشيلي التي يصفها بـ"ستائر بيضاء تكتسي حسب نظرة الآخرين إليها". وهكذا يفسّر زوريتا رؤية الإنسان للجبل بأن الجبل ينظر إليه أيضاً، وكذلك الأمر مع النجوم. بهذه الطريقة كتب زوريتا عن تلك المشاهد وعن صحراء أتاكاما، وساكني صحراء أتاكاما، راسماً على طريقة شعره جغرافية جديدة لتشيلي. جغرافية شعرية.

لم يقف زوريتا عند حدود الجغرافية إلّا ليتعدّاها إلى حدود اللغة.. اللغة التي فُرضت أصلاً على أهل تلك البلاد عبر الاستعمار، فجاء زوريتا ليقدّم قوالب وصيغا شعرية جديدة تحدّت الشكل التقليدي للغة والشعر الهسباني عامة. لكن هذا التمرّد على اللغة، يجده زوريتا لازماً سواء كان الشاعر يكتب بلغة قومه أم بلغة مستعمره. التمرّد في الشكل والمضمون والخيال والصياغة مطلوب لدى زوريتا، الذي بدا أنه تراجع خطوة عن إخضاع الشاعر لمعاناة ما. 

يمثّل شعره التمرّد في الشكل والمضمون والخيال والصياغة 

كان شابّا، يقول، حين حاول إيذاء نفسه، لكن المعاناة بحدّ ذاتها لا تصنع شاعراً جيّداً أو شعراً عظيماً.. والثورة كذلك.. لقد مرّت تشيلي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بحقبة ديكتاتورية، أثّرت على الأوساط الثقافية والفنية والسينمائية والاجتماعية. لكن التعذيب الذي تلقّاه كثيرون لم يصنع منهم شعراء. وفي تلك الحقبة، تماهى زوريتا بجغرافية تشيلي حتى تعامل مع جسده بكونه جسد تشيلي، حينها حاول تعذيبه أكثر من مرّة، ربما كان ذلك تفسيراً وربّما، فعل ما فعل نتيجة إحساسه بالعجز. 

أقرّ زوريتا بذلك وهو على عتبة السبعين من العمر، ليدرك أن الشعر هو ما يستطيع فعله وليس ما يريد فعله. فهو يريد أن يوقف القتل.. يحاول ذلك بالكلمات، ويعتقد أن مقتل إنسان واحد في هذا العالم يحوّل الآخرين إلى ناجين.. ناجون من مذبحة حتى لو لم يكونوا موجودين فيها.. مقتل إنسان واحد - برأي زوريتا - هو فشل للبشرية جمعاء.. مقتل إنسان واحد يعني أن تلغي تاريخه، أي أن تقضي على جزء من تاريخ البشرية.. يلجأ الشاعر أمام تلك المقتلة للكلمات واللغة والشعر حيث تخلق هذه العناصر، جحيم الشاعر.

 

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون