رؤوف بن يغلان.. الهجرة السرّية في ثلاثية مسرحية

23 يونيو 2023
من العرض
+ الخط -

تبدو مسرحية "حارق.. أرجع غدوة"، التي أُقيم عرضُها الأوّل في "المسرح البلدي" بـ تونس العاصمة أوّل أمس الأربعاء، استمراراً لأعمال سابقة تناول فيها المسرحي التونسي رؤوف بن يغلان (1950) مسألة "الحرقة" (الهجرة السرّية) من زوايا مختلفة.

الحديث هنا بشكل خاصّ عن مسرحيّتيه "حارق يتمنّى" (2013)، التي استند فيها إلى مقابلات مع شبّان أبحروا من تونس إلى إيطاليا ومقابلات مع عائلاتهم أيضاً، و"إرهابي غير ربع" (2017)، التي تناول فيها قضية انخراط شبّان تونسيّين في شبكات "الجهاديّين"، وربطها بتدهور الثقافة والتعليم، ومن ثمّ اقترح أن يكون الفعل الثقافي أساسياً في أية محاولة للتغيير.

في العمل الجديد الذي ينتمي إلى الكوميديا السوداء، يواصل بن يغلان، بشكل ساخر، وضع أصبعه على الأسباب التي تدفع بالشباب التونسي للانخراط في الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. ومثلما يُشير العنوان، الذي يعني "عُد غداً"، يُحمّل العرضُ جانباً كبيراً من مسؤولية ذلك للبيروقراطية؛ فهذه العبارة، التي يسمعها التونسيون كثيراً في مكاتب الهيئات الحكومية، والتي تحيل إلى تدنّي الخدمات الإدارية على نحو يجعل منها محلّاً للتندّر والسخرية، تشكّل أحد مفاتيح فهم الوضع العام في البلاد؛ والذي لا يشجّع على البقاء فيها.

أكثر من ذلك، يَعتبر بن يغلان أنّ العبارة هي بمثابة رمز للإدارة التونسية في مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، ومن ثمّ فإنّ هذه الإدارة تتحمّل جانبها من مسؤولية الدفع إلى الهجرة السرّية التي بلغت في السنوات الأخيرة مستويات غير مسبوقة.

بدلاً من التساؤل عن أسباب الهجرة التي تبدو معروفةً للجميع، يسأل بن غيلان بنبرة ساخرة عن الأسباب التي تجعل الباقين متمسّكين ببلادهم، وهو سؤالٌ يطرحه لا للدعوة إلى الهجرة، بل للتعبير عن سوداوية الوضع العام؛ فالمسرحي التونسيّ، الذي درس علم الاجتماع في باريس، لا يُخفي خطورة النظر إلى الهجرة السرّية كأمر عادي، مُعتبراً، في هذا السياق، أنّ المجتمع التونسي طبّع مع الظاهرة مثلما طبّع مع الفساد.

 
المساهمون