ذكرى ميلاد: لطيفة الزيات.. في اكتمال الحرية

08 اغسطس 2021
(لطيفة الزيات، 1923 - 1996)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثامن من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد الروائية والناقدة المصرية لطيفة الزيات (1923 – 1996).


في كتابها "حمبة تفتيش- أوراق شخصية" (1992)، تقول لطيفة الزيّات التي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلادها: "كانت الكتابة بالنسبة لي، على تعدّد مقاصدها، فعلاً من أفعال الحرية، ووسيلة من وسائلي لإعادة صياغة ذاتي ومجتمعي، وإن تعدّدت في ظلّ الإطار ذاته أوجه الحرية التي مارستها في الكتابة".

تمزج الروائية والناقدة المصرية (1923 – 1996) بين السيرة الذاتية وبين تأملاتها وآرائها في مسائل شخصية واجتماعية بدءاً من طفولتها وتنقّلها الدائم، حيث لم تستقر في بيت بسبب وظيفة والدها في مجالس البلديات التي تفرض عليه الارتحال من مدينة إلى أخرى ثم نتيجة ملاحقة الأمن وتعقبّهم لها بسبب انتماءاتها إلى اليسار المصري، ومروراً بانتقادها للمجتمع الأبوي الذي يقيّد المرأة ويسلبها حقّها في الاختيار تحت عناوين لا تحصى، وانتهاء بتجربة السجن وما تفرضه من مراجعات وتقييمات لكلّ ما يخصّ الحرية ومعناها.

تشير الزيات في الكتاب إلى كتاباتها السياسية التي عنت "إشهاراً لموقف يتعارض والموقف السائد، وبمدى ما يتطلّبه هذا الموقف من تجاوز للمخاوف والنتائج التي قد تترتّب عليه، بمدى ما أمارس حريتي، وأنا إذ أحدّد موقفي وأشهره المرة بعد المرة، أتلقى التعريف، وتتبيّن ملامح هويتي، وأمارس الحرية وأنا أتصوّر وجودي يتجسّد صلباً خارج حدود ذاتي الضيقة".

لم تفصل بين النضال من أجل حقوق المرأة وبين إيمانها العميق بضرورة التحرّر الوطني

وتضيف "وفي كتاباتي النقدية يختلف الأمر، فبحكم المنهج التحليلي الذي انفرد بي لفترة، ولم يعد، ألغي ذاتيتي وأخضع نفسي مكتملة لمنطق العمل الأدبي، أيّا كان منطقه مخالفاً لمنطقي، وحين جمعت إلى جانب تحليل النص مناهج أخرى في بحثي عن ’صورة المرأة في القصص والروايات العربية‘ تحرّرت، وصوتي يظهر جنباً إلى جنب مع صوت الآخر، ومنطقي جنباً إلى جنب مع منطقه".

وتتطرّق الزيات في هذا الكتاب أيضاً إلى كلّ مؤلّف من مؤلفاتها في الرواية والقصة والمسرح والنقد الأدبي، وكيف سعت فيها إلى فهم تلك العلاقة المعقّدة بين الفرد والمنظومتين الاجتماعية والسياسية، وانعكاس الأحداث الكبرى عليها، خاصة هزيمة 1967 التي أنتجت بحسب وجهة نظرها ضياع لغة الوجدان المشترك، وانقسام الناس على أنفسهم في جزر معزولة تفتقر إلى الحد الأدنى من الوحدة الوطنية والشعور بالانتماء.

وتخلص إلى القول "وأنا في الثامنة والخمسين، وأنا في طريقي إلى السجن: ألمح حريتي مكتملة في آخر الطريق وتصالحي مع الذات بعد مشوار طويل، ولم تكن هذه الحرية بالحرية المبذولة ولا بالحرية النهائية. يتأتى عليّ الآن وقد طعنت في السن، أن أعاود بالفعل الحرّ والهادف توكيد حريتي المرة بعد المرة، بفعل حرّ بعد فعل، سواء تمثّل هذا الفعل في موقف أو كلمة. وأفقد حريتي في كلّ مرة أقول فيها لنفسي: طال المسار وآن لي أن أستكين".

لم تفصل الزيّات التي ولدت في مدينة دمياط وحازت درجة الدكتوراه في الآدب من "جامعة القاهرة" عام 1957، بين النضال من أجل حقوق المرأة وبين إيمانها العميق بضرورة التحرّر الوطني، واعتقلت بسبب مواقفها السياسية مرتين، الأولى في الأربعينيات والثانية عام 1981 على خلفية معارضتها لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني.

في روايتها "الباب المفتوح" طرحت تلك العلاقة الجدلية بين حرية الفرد وحرية مجتمعه، وناقشت في مجموعتها القصصية "الشيخوخة وقصص أخرى" صراع الذات مع موروثه ومواجهة الوعي الزائف، ثم عادت في روايتها "الرجل الذي عرف تهمته" لتفكيك منظومة الرقابة التي تتعدّد مستوياتها في قمع الفرد والتحكّم بمصيره، وتناول نصّها المسرحي "بيع وشرا" استلاب الفرد لرأس المال الذي يكرّس عبوديته.

كما أصدرت الزيات رواية بعنوان "صاحب البيت"، بالإضافة إلى مؤلّفاتها النقدية وهي: "من صور المرأة في القصص والروايات العربي "، و"نجيب محفوظ: الصورة والمثال - مقالات نقدية)"، و"أضواء: مقالات نقدية"، و"فورد مادوكس فورد والحداثة"، وأصدرت كتابين مترجمين بعنواني "مقالات نقدية، ت. س. إليوت"، و"حول الفن: رؤية ماركسية".
 

المساهمون