تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس والعشرون من شباط/ فبراير، ذكرى ميلاد الناقد والباحث والمترجم الفلسطيني عيسى بُلّاطه (1929 – 1919).
في كتابه "إعجاز القرآن الكريم عبر التاريخ" (2011)، يعود عيسى بُلّاطه الذي تحلّ اليوم الخميس ذكرى ميلاده، إلى عجْز العرب الذين سمعوا القرآن للمرة الأولى عن معارضته في المعنى والمبنى، وكيف تتطوّرت لفظة "الإعجاز" في نهاية القرن الثالث الهجري لتصبح مفردة علمية تشير إلى هذه الظاهرة دينياً باعتبارها الدلالة على صدق نبوة النبي محمد وعلى تنزيل الكتاب من عند الله.
ويقدّم الناقد والباحث والمترجم الفلسطيني (1929 – 1919) قراءة تاريخية معمّقة في فهم المفكرين المسلمين لمعنى هذه المعجزة، قديماً وحديثاً، موضحاً طبيعة نظرتهم إليها من وجوه متعدّدة مثل البلاغة والفصاحة والبيان والأثر الجمالي والنفسي للآيات القرآنية، وعدم تجنيسه ضمن الأجناس الأدبية المتوارثة من نثر وشعر.
اهتمّ بدراسة تحوّلات القصيدة العربية في العصر الحديث ضمن سياقاتها الاجتماعية والثقافية
وقارَب صاحب كتاب "التجربة الجميلة.. رسائل جبرا إبراهيم جبرا إلى عيسى بُلّاطه" مسألة الإعجاز لدى أهل الأدب واللغة والفكر في التاريخ الإسلامي، وفي مدوّنة علماء التفسير أيضاً، وصولاً إلى علماء اللغة والفكر في العصر الحديث كما تبرزه كتابات محمد عبده وعبد المتعال الصعيدي وعائشة عبد الرحمن وآخرين.
شق بُلّاطه المولود في القدس طريقه إلى النقد الأدبي بخطوات واثقة منذ إصداره مؤلّفه الأول "الرومنطيقية ومعالمها في الشعر العربي الحديث" (1960)، الذي يدرس فيه الرومنطيقية كمذهب أدبي باعتباره جزءاً من الثورة الفكرية الي ميّزت القرن التاسع عشر في أوروبا، وكيف تأثّر بها الكتّاب العرب مثل جبران خليل جبران وخليل مطران وأحمد زكي أبو شادي وعباس محمود العقاد ونازك الملائكة وفدوى طوقان وغيرهم.
حاز الراحل درجة الدكتوراه في الأدب العربي من "جامعة لندن" عام 1969، وعمل أستاذاً للغة العربية والأدب في "مدرسة هارتفورد" في ولاية كونيكتيكت الأميركية، و"جامعة ماكجيل" في مدينة مونتريال الكندية، وتوزّعت انشغالاته بين النقد والترجمة، إلى جانب الكتابة الأدبية؛ حيث أصدر روايته "عائد إلى القدس" عام 1998، ومجموعة قصصية بالإنكليزية سنة 2003 تحت عنوان "جنتلمان متقاعد".
بذل جهداً في إضاءة الأدب العربي الحديث للقارئ الغربي من خلال دراسات أصدرها بالإنكليزية
واهتمّ أيضاً بدراسة تحوّلات القصيدة العربية في العصر الحديث، والتي بحثها بتعمّق ورؤية تنفتح على المتغيرات الاجتماعية والثقافية التي عاشها العالم العربي، كما يتبدّى ذلك في كتابه "بدر شاكر السياب: حياته وشعره" (1971)، محلّلاً الخلفيات والتكوين المعرفي للشاعر العراقي (1927 – 1964) اللذين قاداه إلى كتابة قصيدة التفعيلة، وطبيعة الموضوعات التي تناولها وفقاً لرؤيته السياسية التي تقلّبت من الشيوعية إلى القومية، والبعد الشخصي وتأثيره على كتابته.
في مسار ثانٍ، بذل بُلّاطه جهداً كبيراً في إضاءة الأدب العربي الحديث للقارئ الغربي من خلال جملة دراسات أصدرها بالإنكليزية منها "شعراء عرب معاصرون 1950-1975"، و"نظرات نقدية في الأدب العربي الحديث"، و"الاتجاهات والقضايا في الفكر العربي المعاصر"، بالإضافة إلى ترجماته نصوصاً لجبرا إبراهيم جبرا وإميلي نصر الله وهشام شرابي وغادة السمان ومحمد برادة وغيرهم، كما ترجم كتاب "حياتي" لأحمد أمين.
وأصدر أكثر من ثمانين دراسة أدبية ونشر قرابة ثلاثمئة مراجعة للكتب في مجلات رصينة، كما شارك ككاتب ومحرر في موسوعات أدبية مثل "موسوعة الأدب العالمي في القرن العشرين"، "موسوعة أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث"، "موسوعة الأدب العربي"، و"موسوعة الفلسطينيين" وغيرها.
درَس صاحب كتاب "نافذة على الحداثة: دراسات في أدب جبرا إبراهيم جبرا" (2002) الثقافة العربية في مؤلّفاته ضمن سيرورتها التاريخية، متمكناً من أدواته المعرفية في قراءة الأدب بوصفه تعبيراً عن سياقات فكرية واجتماعية وذا صلة وثيقة بشخصية أصحابه وتكوينهم النفسي، ويظهر ذلك في تعامله مع القضايا والمسائل التي ناقشها ضمن تطوّرها التاريخي والمحطّات الأساسية الفاصلة في انتقالها من طور أو مستوى إلى آخر.