ذكرى ميلاد: عبد السلام هارون وأصول تحقيق التراث

18 يناير 2021
(عبد السلام هارون)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير، ذكرى ميلاد المحقّق والباحث المصري عبد السلام هارون (1909 – 1988).


في عام 1954، أصدر عبد السلام هارون الذي تحلّ اليوم ذكرى ميلاده، كتابه "تحقيق النصوص ونشرها"، ليشكّل مرجعاً أساساً في الثقافة العربية المعاصرة التي كانت تفتقر إلى مؤلّفات تقعّد علم المخطوطات منذ نشأته، وتستعرض تطوّره بأسلوب ميسَّر وواضح للدارسين، وقد أتى محصلة مجموعة محاضرات ألقاها مدّة خمس سنوات.

أعاد المحقّق والباحث المصري (1909 – 1988) في تقديم الكتاب مقترحه الذي دعا من خلاله الجامعات العربية إلى تكليف كلّ طالب في أقسام الدراسات العليا تحقيق كتاب يمتّ بصلة إلى موضوع الرسالة التي يتقدّم بها؛ الدعوة التي ظلّت مهملةً إلى اليوم، حيث لم يحقّق من التراث سوى النزر اليسير.

يشير هارون في مقدّمة الطبعة الثانية إلى مسألة مهمة تتصل بالعلاقة مع المستشرقين الذين اعتبرهم شركاء في تحقيق المخطوطات العربية، لكن "ليس من الحكمة ولا الكرامة في شيء أن تكون خطانا متأثرة بخطاهم في كلّ أمر من أمورنا الثقافية، وأن نستعير عقولهم في صغار الأذلاء، وقد منحنا الله القدرة وحسن الفهم والدرس لما كُتب بلغتنا وبوحي نفوسنا العربية".

نشر تحقيق كتاب "متن الغاية والتقريب" لأبي شجاع الأصفهاني، وهو في السادسة عشرة

ويعود في الفصل الأول إلى بدايات الكتابة عند العرب وظهور الورق والوراقين والنصوص الأولى التي خطّها المسلمون في عصر التدوين، وأصول مهنة الوراقة وقواعدها، والخطوط وأنواعها المستخدمة في الكتابة وتطوّرها عبر الأزمان، وأصول النصوص، وصولاً إلى علم التحقيق.

وُلد صاحب كتاب "التراث العربي" في الإسكندرية، وحفظ القرآن في العاشرة وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة حتى التحق بالأزهر سنة 1921، ودرس العلوم الإسلامية، ثم واصل دراسته في "تجهيزية دار العلوم" حيث نال درجة البكالوريا عام 1928، ثم أكمل دراسته في "دار العلوم العليا" عام 1932، حيث عيّن بعد ذلك معلماً في مدرسة ابتدائية، قبل أن ينتقل إلى التدريس في كلية الآداب بـ"جامعة الإسكندرية" عام 1945.

في عام 1969، اختير عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ثم انتخب أميناً عاماً للمجمع في عام 1984، وكان قد بدأ نشاطه العلمي مبكراً؛ إذ نشر تحقيق كتاب "متن الغاية والتقريب" للقاضي أبي شجاع الأصفهاني عام 1925، وهو في السادسة عشرة، واعتمد تدريس الكتاب رسمياً آنذاك، وكُتب عليه: "ضبط وتصحيح ومراجعة الشيخ عبد السلام محمد هارون"، ثم أصدر تحقيق أول جزء من "خزانة الأدب للبغدادي" سنة 1927، وهو في التاسعة عشرة.

حقق نحو مئة وخمسة عشر كتاباً، منها "الاشتقاق" لابن دريد، و"إصلاح المنطق" لابن السكيت (بالاشتراك مع أحمد شاكر)، و"الأصمعيات" (بالاشتراك مع أحمد شاكر)، و"تهذيب اللغة" للأزهري (المجلدان الأول والتاسع)، و"جمهرة أنساب العرب" لابن حزم، و"رسائل الجاحظ" (4 مجلدات)، و"كتاب البيان والتبيين" للجاحظ (4 مجلدات)، وكتاب سيبويه (5 مجلدات)، و"مجالس العلماء" للزجاجي، وغيرها.

كذلك ألّف العديد من الكتب، مثل "الأساليب الإنشائية في النحو العربي"، و"تحقيق النصوص ونشرها"، و"تحقيقات وتنبيهات في معجم لسان العرب"، و"قطوف أدبية"، و"قواعد الإملاء"، و"معجم شواهد العربية" (مجلدان).

المساهمون