ذكرى ميلاد: شيخ أنتا ديوب.. أفريقيا تنهض بذاكرتها

29 ديسمبر 2021
(شيخ أنتا ديوب في لوجة رقمية صممها أدي أولوفيكو)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم التاسع والعشرون من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد المؤرخ السنغالي شيخ أنتا ديوب (1923 – 1986).


حين انتقل شيخ أنتا ديوب الذي تحل اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده للدراسة في "جامعة باريس" خلال أربعينيات القرن الماضي، كان مشغولاً بأفكار تتجاوز استقلال بلاده؛ السنغال، عن المستعمٍر الفرنسي، وغيرها من المستعمرات في القارة السمراء، نحو إعادة الاعتبار للحضارات الأفريقية القديمة ورفضه كلّ محاولات الطمس والمحو لذاكرة شعوبها.

لم ترق أفكار السياسي والمؤرخ السنغالي (1923 – 1986) لأساتذته وعموم الأوساط الأكاديمية آنذاك، حيث تقدّم بعد حصوله على درجة البكالوريوس في الفلسفة وشهادتين في الدراسات العليا متخصصاً في الكيمياء والعلوم، لتسجيل أكثر من أطروحة لنيل الدكتوراه، رُفضت جميعها بسبب اختياره مواضيع مثل الأمم الزنجية والثقافة، ومصر قبل حكم الأسر في محاولة للإحاطة بالمشتركات الثقافية التي تربطها مع بقية البلدان الأفريقية، والنظام الأمومي والنظام الأبوي في العصور القديمة.

بعد أن أعاد الكرّة أكثر من مرة، نال شيخ أنتا ديوب درجة الدكتوراه عن أطروحته "دراسة مقارنة للأنظمة السياسية والاجتماعية في أوروبا وأفريقيا، من العصور القديمة إلى تشكيل الدول الحديثة" عام 1960، في أثناء عمله في مجال الفيزياء النووية في "معهد ببير وماري كوري" بباريس.

اقترح المؤرخ السنغالي إعادة بناء الثقافة الأفريقية على أساس حضارة مصر القديمة

تشعّبت معارفه الموسوعية وشكّلت لديه خلفية متينة ومتماسكة لإعادة قراءة تاريخ الأفارقة، من خلال قراءاته الموسّعة في فلسفة العلم والماركسية وعلم آثار ما قبل التاريخ، وكذلك علم المصريات وهو الحقل الذي اهتمّ به على نحو خاص من أجل فهم التطوّر السياسي والاجتماعي والتعبيرات الفنية والثقافية في الحضارات المصرية القديمة التي آمن بأنها لا تنفصل عن فضائها الأفريقي إطلاقاً.

اعتبر ديوب أن الفنون واللغات الأفريقية القديمة تمثّل منطلقاً أساسياً للتنظير حول نهضة القارة السمراء، مقترحاً إعادة بناء الثقافة الأفريقية على أساس حضارة مصر القديمة بنفس الطريقة التي بنيت بها الثقافة الأوروبية على تراث اليونان القديمة وروما، ودافع بقوة عن فكرة أن اللغة والثقافة المصرية انتشرت إلى غرب أفريقيا وساهمت في تطوّر لغات وثقافات مجتمعاته، ما جعله أحد أكثر المؤرخين الأفارقة إثارة للجدل في عصره.

انتسب صاحب كتاب "الأسس الثقافية والتقنية والصناعية للدولة الفيدرالية المستقبلية لأفريقيا السوداء" إلى عائلة أرستقراطية من مدينة ديوربل السنغالية، والمعروفة باحتضانها للطرق الصوفية، وأكسبته نشأته إلى البحث عن الممكنات الثورية داخل الإسلام، والتعالقات الحضارية مع العرب الأفارقة، ليشكلا الإطار الفكري لحراكه السياسي على مدار أكثر من ربع قرن.

في كتابه "نحو النهضة الأفريقية: مقالات في الثقافة والتنمية"، يتحدّث ديوب عن ضرورة تطوير اللغات الأفريقية كشرط أساسي للنهضة الحقيقية، موضحاً أن اللغات الأجنبية أجبرت الإفريقي على بذل مجهود مضاعف لاستيعاب معنى الكلمة، وهذا جهد فكري بخلاف المجهود الفكري الآخر المتمثل في فهم الواقع والسيطرة على معطياته.

ركّز في مؤلّفاته حول ثقافة مشتركة للشعوب الأفريقية في سياق نقده للتصوّرات العنصرية السائدة في الأكاديميا الأوروبية حول التصنيفات العرقية ووضع حواجز وهمية بين شمال القارة الأفريقية وبين بلدان جنوب الصحراء أو بين غربها وشرقها، رافضاً الحديث عن العرق الواحد كأساس لفهم ماضي أفريقيا وحاضرها ومستقبلها، وهاجم بقوة الأفكار الغربية التي استند إليها الاستعمار في تجاهله التنوع الهائل للشعوب الأفريقية، وعدّه تزييفاً للمعرفة والتاريخ.


 

المساهمون