ذكرى ميلاد: زهور حسين.. ذاكرة للمقام العراقي

29 مايو 2022
(زهور حسين، 1924 - 1964)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم التاسع والعشرون من أيار/ مايو ذكرى ميلاد المغنية العراقية زهور حسين (1924 – 1964).


يُخصص الباحث والمطرب حسين الأعظمي فصلاً كاملاً من كتابه "المقام العراقي بأصوات النساء-دراسة تحليلية فنية نقدية لتجربة المرأة العراقية في الغناء المقامي" لتناول تجربة زهور حسين التي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلادها، في غنائها المقامات التي ظلّت فناً محتكراً للرجال حتى بدايات القرن الماضي.

ويلفت إلى أن المغنية العراقية (1924 – 1964) برزت في مرحلة شهدت ظهور مؤدين جدد في العراق ساهموا في تجديد الأغنية ومنهم سليمة مراد ومائدة نزعت وعفيفة إسكندر وناظم الغزالي ويوسف عمر وعباس جميل ورضا علي، مبيّناً أن زهور حسين أضافت تعابير جديدة في الأداء المقامي رغم أنها لم تؤد المقامات كاملة.

لم تكمل حسين المولودة في حيّ الكاظمية البغدادي دراستها ولم تتعلّم أصول الغناء أيضاً بشكل منتظم، حيث برزت موهبتها في أداء بعض الأغنيات الشعبية على هامش المناسبات الاجتماعية في حضور نسائي غالباً، كالأعراس والختان وكذلك في المدائح النبوية والدينية، لكنها كانت تستمتع منذ صغرها إلى أسطوانات لقرّاء المقام العراقي من أمثال نجم الشيخلي، ورشيد القندرجي، وحسن خيوكة، وكذلك أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان، التي كان يمتلكها زوج والدتها الذي شجّعها بدوره على الغناء، حتى وجدت طريقها لدار إذاعة بغداد، بعد أن استمع إليها الشقيقان صالح وداود الكويتي، من أبرز روّاد الغناء العراقي، وتحمسّا بشدة لصوتها.

وفي عام 1942، قدّمها صالح الكويتي للمشاركة بأولى حفلاتها الغنائية في الإذاعة، والتي كانت تبّث على الهواء مباشرة لمدة ساعة يومياً، ليبدأ صعودها ضمن فترة شهدت منافسة شديدة بين الفنانين في أداء ما اصطلح عليه في العراق أغنية المدينة وأغنية الريف، حيث برعت في أداء كليهما.

ورغم أن زهور حسين اتسمت في بداياتها بفطرية الأداء والبساطة في التعبير إلا أنها تطوّرت مع تقديمها أغاني من تلحين عباس جميل، ومنها "آني اللي أريد أحكي"، و"يا أم عيون حراقة"، وجيت لأهل الهوى"، لكن ظلّ أثر تلك الفطرية حاضراً كما يشير العديد من النقاد، ما منح صوتها أسلوباً مغايراً عن فنانات جيلها اللواتي تدرّبن على أصول الغناء.

وشكّلت أغنية "غريبة من بعد عينك يا يمه" التي لحّنها جميل أيضاً، نقلة نوعية في تجربة زهور حسين التي قدّمت خلالها قصيدة ظلّت في أدراج ملحنها فترة طويلة لأن الغناء للأم لم يكن رائجاً في الغناء العراقي آنذاك، غير أنه استجاب لطلب زهور التي أرادت تقديم أغنية تخليداً لوالدتها التي رحلت في تلك الفترة، وتقول كلماتها "غريبة من بعد عينك يا يمه/ محتارة بزماني/ يا هو الي يرحم بحالي يا يمه/ لو دهري رماني/ حاكيني .. يا يمه/ فهمني .. يا يمه/ غريبه من بعد عينك .. يا يمه/ محتاره بزماني/ قلبي لو فرح انتي فرحتي/ قبلي يا حبيّبة".

في الأربعين من عمرها، رحلت زهور حسين إثر تعرضها لحادث وهي تقود سيارتها لزيارة قريب لها موقوف في سجن الديوانية، تاركة وراءها عشرات الأغاني التي أدّت فيها مقامات العنيسي والمحبوب والمستطيل، وتركت أثراً في تاريخ الأغنية العراقية الحديثة.
 

المساهمون