تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السادس من يناير/ كانون الثاني، ذكرى ميلاد الروائي الإسباني خوان غويتيسولو (1931 – 2017).
تركت الحرب الأهلية الإسبانية أثرها على الطفل خوان غويتيسولو الذي قتلت والدته خلالها ولما يبلغ السابعة بعد، بقصف الجنرال فرانكو وحلفائه لمدينة برشلونة حيث تسكن عائلته التي كانت موالية للنظام الملكي؛ في تلك اللحظة، أٌشبع بعدائه للدكتاتورية الذي سيترسخ لديه قناعات وأفكاراً وأدباً.
التحق الروائي الإسباني (1931 – 2017) بكلية القانون في "جامعة برشلونة يحدوه حلم بأن يصبح دبلوماسياً، وانتقل عام 1956 للعيش في منفاه الباريسي حيث عمل قارئاً للنصوص الإسبانية ومستشاراً أدبياً في "دار غاليمار"، وهناك تعرّف على أبرز المثقفين الفرنسيين من أمثال سارتر وكامو وجينيه، قبل أن ينتقل للعمل مدرساً في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة.
عُرف صاحب رواية "الأربعينية" بتمرّده على التقاليد الإسبانية المحافظة، ومعارضته الشديدة لنظام فرانكو حتى مغادرته السلطة، لكنه لم ينضمّ إلى أي حزب سياسي، وظلّ محافظاً على استقلالية مواقفه السياسية والفكرية، مهتماً بالدرجة الأولى في إبراز القمع والتخلف الاجتماعي الذي عاشه الإسبان طوال عقود طويلة، بأسلوب واقعي لا يخلو من مسحة شاعرية ساحرة.
تتقاطع روايات الكاتب الإسباني مع التاريخ السياسي المعاصر
تتقاطع روايات غويتيسولو مع التاريخ السياسي المعاصر، حيث يمارس سخريته من الواقع في روايته "منفى من هنا وهناك"، حيث الولايات المتحدة تحقق مصالحها بدعوى محاربة الإرهاب، والنماذج الديمقراطية المشوهة في تكاثر حول العالم، وتعلو الأسئلة عن جدوى ما نعيشه، ويذهب في روايته "حداد في الجنة" إلى محاكمة الحرب التي يرث فيها الأطفال وحشية آبائهم ويتحوّلون إلى قتلة.
عاش صاحب رواية "عصافير تلوّث عشّها" فترات من حياته في مراكش، ودفن في مدينة العرائش المغربية، بناء على وصيته، وتشبّع بثقافتها وإرثها الثري، وقد جال في عدد من المدن العربية بعد اندلاع الانتفاضات الشعبية فيها عام 2011، وكتب حولها في صحيفة "البايس" الإسبانية، مردّداً ما آمن به طوال حياته: على المثقف أن يقول لا للطاغية.
لكن غويتيسولو لم يكن مجرد مقتون بالشرق بل حاول أن يدرسه ويبحث في تاريخه المتشابك مع تاريخ بلاده قروناً عديدة، ويعتبر أحد المستعربين في بلاده حيث ألّف كتابه "في الاستشراق الإسباني، مشيراً فيه إلى الآثار العميقة للغة والثقافة العربية في المجتمع الإسباني إلى اليوم، موضحاً ذلك بأمثلة عديدة أبرزها استعارة اللغة الإسبانية المعاصرة لآلاف الكلمات من العربية، إلى جانب معرفته المعمّقة بالتصوّف العربي وشعرائه مثل ابن الفارض وابن عربي ورابعة العدوية.
ومن أبرز مؤلفاته: "ألعاب يدوية" (1954)، و"مبارزة في الجنة" (1955)، و"أوراق اعتماد" (1968)، و"أعياد" (1975)، و"لا ريساكا" (1958)، و"مشاهد بعد المعركة" (1992)، و"حصار الحصارات (1999).