ذكرى ميلاد: أحمد حسن الزيات.. هموم لا تزال حاضرة

12 مايو 2021
(أحمد حسن الزيات، 1885 - 1968)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني عشر من أيار/ مايو، ذكرى ميلاد الكاتب المصري أحمد حسن الزيات (1885 – 1968).


في مقال "ما لي ما أكتب" لأحمد حسن الزيات نُشر منذ أكثر من سبعين عاماً، يقول: "إن نكبة فلسطين ومحنة العرب قد غطتا على كل حاسة، وغلبتا على كل عاطفة، فالفكر فيهما والحديث عنهما ملء القلوب وشغل الألسن، ولكن الكلام هواه، والبكاء ضعف، والمنى أباطيل، والمهادنة غش، والمفاوضة عجز، فلم يبقَ إلا أن نسكت لنعمل، وندير لننفذ، ونتقوى لنسود، ونتسلح لننجح، ونقتل لنحيا، ونظلم لنُحترم!".

هذا ما خلص إليه الكاتب المصري (1885 – 1968) الذي تمرّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده، حيث لا معنى لأي حديث ينطق به ضعيف عليه أن ينهض بحاله ويستعيد ما سُلِبَ، فيضيف: "لو كان في الدنيا حق، لما كان لفلسطين قضية، ولو كان في الناس عدل، لما اصطلحت على ظلمنا الشيوعية والرأسمالية (في إشارة إلى تصويت الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على قرار تقسيم فلسطين عام 1947)، ولو كان في الأمر اختيار، لما تركت سيوفنا من بني يهوذا بقية".

رأى أن نهضة العرب تتأسس على العلم، ووصل الماضي بالحاضر، والتصالح بين الحداثة بالتراث

بنى الزيات مقالاته التي بثّ فيها تجاربه ومشاهداته وانفعالاته وآراءه في الأدب والحياة والاجتماع والسياسة، على وضوح الرأي والعبارة واختيار الألفاظ والمفردات التي يفهمها العامة، وأسلوب يعتمد الإيجاز في نقل المعنى والوصول إليه، مكرّساً كتاباته لجملة مواقف وأفكار تتعلق بتقدم العرب الذي رأى أنه يتأسس على العلم والابتعاد عن الخرافة، ووصل الماضي بالحاضر، والتصالح بين الحداثة والتراث.

تفتّح وعي صاحب كتاب "دفاع عن البلاغة" في زمن شغلت هذه الأفكار حول الهوية والتحديث عقول جميع المثقفين في العالم العربي في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن الماضي، حيث تلقى تعليمه الأول في كتّاب قرية دميرة القديم في محافظة الدقهلية، ثم التحق بالجامع الأزهر في الثالثة عشرة من عمره، ودرس علوم الشريعة والعربية، غير أنه نزع إلى الأدب في سن مبكرة.

لم يستكمل الزيات دراسته في "الأزهر" وانتقل إلى "الجامعة الأهلية" عام 1908، وبالتزامن مع ذلك بدأ بتدريس الفرنسية التي أتقنها وترجم عنها رواية "روفائيل" للكاتب الفرنسي ألفونس دو لامارتين، و"آلام فرتر" للشاعر الألماني يوهان غوته، إلى جانب مختارات من الأدب الفرنسي.

شارك في كتابة المنشورات السرية التي كانت تصدرها "الجمعية التنفيذية للطلبة" في أثناء ثورة 1919، وكان من أبرز المحرضين لتلاميذ المدارس من أجل الخروج ضد الاستعمار البريطاني، وظلّ يعمل مدرساً حتى انتقل إلى التدريس في قسم اللغة العربية بـ"الجامعة الأميركية" في القاهرة، ومنها انتقل للتدريس في "دار المعلمين العالية" في بغداد حيث أقام هناك ثلاث سنوات.

آمن الزيات بدور الصحافة التي واظب على نشر مقالاته فيها، إلا أنه أسّس مشروعه المتمثل بمجلة "الرسالة" عام 1933 التي أرادها مطبوعة عربية تشتبك مع هموم العرب وانشغالاتهم الفكرية والثقافية في لحظة كانت الشعوب العربية تحلم بالاستقلال، وكانت الثقافة بالنسبة إليه خير رافعة لتلك الآمال.

كتب على صفحات المجلة العديد من الكتّاب العرب منهم: أبو القاسم الشابي ومعروف الرصافي وميخائيل نعيمة وعباس محمود العقاد، وأحمد أمين، ومحمد فريد أبو حديد، وأحمد زكي، ومصطفى عبد الرازق، ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم، وشهدت سجالات موسعة ومعمقة بينهم حول العديد من القضايا التي ربما لم يحسم بعضها إلى اليوم في الثقافة العربية.

جمع الزيات في كتاب "وحي الرسالة" مقالاته التي كتبها على مدار عقود، وبعد إغلاق "الرسالة" عام 1953 بسبب عدم قدرته على الإنفاق عليها، تولّى رئاسة تحرير مجلة "الأزهر" لعدّة أعوام، ثم حاولت وزارة الثقافة المصرية إحياء مجلة "الرسالة" واختارت الزيات رئيساً لتحريرها مرة أخرى، لكن لم يكتب لهذه المحاولة النجاح.
 

المساهمون