دوّا ليبا متضامنةً مع غزّة: أعرف ما تفعله الحرب

22 يناير 2024
نصبٌ تذكاري لضحايا مجزرة قرية إزبيكا وسط كوسوفو عام 1999 (Getty)
+ الخط -

كان من حقّ الشاعر والأكاديمي المقدوني- الكوسوفي أغيم فينستا أن يتساءل بانزعاج عن صمت المثقّفين الألبان عمّا يحدث في غزّة جرّاء القصف الجوّي والاجتياح البرّي الإسرائيلي المتواصل منذ مئة يوم وأكثر، وهو الصمت الذي يعكس أيضاً تغطية الصحافة الألبانية سواء في كوسوفو أو ألبانيا للحرب على غزّة في ضوء موقف حكومي متماهٍ مع الاتحاد الأوروبي.

غير أنّ هذا الصمت كسرته التصريحات القوية التي جاءت على لسان مغنّية البوب ومؤلّفة الأغاني الكوسوفية- البريطانية المعروفة عالمياً دوّا ليبا Dua Lipa في مقابلتها الأخيرة في مجلّة "رولينع ستون" الأميركية لشهر شباط/ فبراير المُقبل، التي احتلّت فيها صفحةَ الغلاف.

ونشرت المجلّة مقاطع من المقابلة تتعلّق بـ الحرب الدائرة في غزّة، والتي ستبدو فيها الفنّانة، لمن لا يعرف قصّتها الشخصية ومعاناتها، كأنّها "تغرد خارج السرب".


ابنة "الهجرة الكبرى" مع حروب يوغسلافيا

وُلدت دوّا ليبا في لندن عام 1995 لأبوَين كوسوفيّين (أنيسة خوجا ودوكاجين ليبا) وصلا إلى العاصمة البريطانية عام 1992 مع مئات الآلاف من الكوسوفيّين الذين أُرغموا على مغادرة وطنهم خلال حروب يوغسلافيا بين عامَي 1991 و1999. وقد عادت لاحقاً إلى كوسوفو بعد استقلالها عام 2008 لتحظى باستقبال دافئ على المستوى العائلي والحكومي.

تربط مناصرتها لفلسطين بتجربة أُسرتها خلال حروب كوسوفو

نشأت ليبا في أسرة تجمع الاهتمام بالثقافة من جهة الأم والأب. فقد كان جدّها لأبيها سعيد ليبا Seit Lipa (1937 - 1995) مؤرّخاً معروفاً ومديراً لمعهد التاريخ في كوسوفو بين 1990 و1995، بينما كان جدُّها لأُمّها مؤرّخاً متخصّصاً في الدراسات العثمانية؛ وهو إلياس رجا Iljaz Rexha (1940)، الذي عمل في الأرشيف الكوسوفي، ثمّ انضمّ إلى قسم الاستشراق في "جامعة بريشتينا"، إلى أن أصبح رئيساً له، ولا يزال حاضراً بشكل بارز في الساحة العلمية بما ينشره من دراسات عن تاريخ كوسوفو بالاستناد إلى الوثائق العثمانية.

وفي هذه الأسرة، وُلد الأب دوكاجين ليبا Dukagjin Lipa (1969) الذي اهتمّ بالغناء والموسيقى، وأصبح مغنّياً وعازف غيتار في فرقة "أودا"Oda، إلى أن اضطرّ لمغادرة كوسوفو مع اندلاع حروب يوغسلافيا عام 1991، والتي كانت تحمل تهديداً كبيراً لكوسوفو في ذلك الوقت.


صلةٌ مع أُسرة حديد الفلسطينية

بحُكم تنقّلها بين لندن ونيويورك بعد أن أصبحت نجمةً معروفة، تعرّفت دوّا ليبا إلى أُسرة المقاول الفلسطيني- الأميركي محمّد حديد وأولاده جيجي وبيلا وأنور، الذين أصبحوا معروفين عالمياً كعارِضين.

وفي هذا السياق، ارتبطت دوّا ليبا بعلاقة عاطفية مع أنور حديد في حزيران/ يونيو 2019، ما جعلها قريبةً من الواقع الفلسطيني الذي تُعبّر عنه باستمرار أُسرة حديد. ومع هذا الارتباط بالأُسرة، أصبحت ليبا معنية بالواقع الفلسطيني، وتنشر على موقعها بعض المواقف حول القضية الفلسطينية.

في مقابلة صحافية،

وهكذا، مع القصف الإسرائيلي على غزّة في أيار/ مايو 2021، الذي أوقع مئتَي ضحية من المدنيّين، عبّرت ليبا، عبر موقعها، عن تعاطفها مع الضحايا المدنيّين. ولكن هذا أدّى إلى نشر جريدة "نيويوك تايمز" إعلاناً يتّهم فيه دوّا ليبا وجيجي وبيلا حديد بـ "معاداة السامية"، وهو ما ردّت عليه ليبا في رسالة احتجاجية إلى الجريدة.

ويبدو أنّ التنمّر عليها كان وراء انتهاء العلاقة مع أنور حديد في كانون الأوّل/ ديسمبر 2021.


لا أحد يرغب في مغادرة وطنه

كان من الملاحَظ في الوقت الذي خفت فيه صوت جيجي حديد بعد التنمّر عليها بروز صوت دوّا ليبا الآن بقوّة في المقابلة مع مجلّة "رولينغ ستون" التي ستصدر كاملة في شباط/ فبراير المُقبل. ولكن المقاطع المنشورة من هذه المقابلة توضّح الموقف الصريح والقويّ الذي عبّرت عنه دوّا ليبا لأجل وقف الحرب في غزّة، بسبب تزايد أعداد الضحايا المدنيّين.

فقد عبّرت بصراحة عن تضامنها مع أهالي غزّة، مطالبةً بـ"وقف إنساني لإطلاق النار"، وقالت في المقابلة: "في الوقت الحالي، ما يتعيّن علينا أن ننظر إليه هو عدد الأرواح التي فُقدت في غزّة، والمدنيّون الأبرياء"، وأضافت: "لا يوجد عدد كافٍ من قادة العالم الذين يتّخذون موقفاً ويتحدّثون عن الأزمة الإنسانية التي تحدث، ووقف إطلاق النار الإنساني الذي يجب أن يحدث".

تعاطفت مع المدنيّين في غزّة فاتُّهمت بـ"معاداة السامية"

وأشارت ليبا إلى أنّ "مشاعري تجاه النازحين حقيقية وأصلية للغاية"، لتربط ذلك بالتجربة المريرة لأسرتها: "حقيقةُ أنّني عشتُ في لندن لأنّ والدَيّ فرّا من الحرب تجعلني أشعر بالناس الذين يضطرون إلى مغادرة منازلهم"، لتنتهي إلى القول: "من تجربتي في كوسوفو وفهمي لما تفعله الحرب، لا أحد يريد حقّاً مغادرة وطنه. إنّهم يفعلون ذلك من أجل حماية أنفسهم، وإنقاذ أسرهم، ورعاية الأشخاص من حولهم، من أجل حياة أفضل. لذلك أشعر أنّني قريبة من هذا".

وقبل هذه المقابلة، كانت دوّا ليبا قد وقّعت إلى جانب شخصيات بارزة رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، تطالبه بـ"الدعوة إلى وقف فوري للتصعيد ووقف إطلاق النار في غزّة وإسرائيل قبل فقدان حياة أُخرى".

وبالعودة إلى الصحافة الألبانية، ما كان لهذه التصريحات أن تُنشر لو كانت لشخصية أُخرى، ولكن منح الرئيس الألباني الجنسية الألبانية لدوّا ليبا العام الماضي، بعد أن روّجت للسياحة الثقافية في ألبانيا، جعل من الصعب على الصحافة الألبانية أن تتجاهل هذه التصريحات التي نُشرت في الصحافة الأوربية، فقامت جريدة "تلغراف" الألبانية بنشرها أوّلاً في السابع عشر من كانون الثاني/ يناير الجاري، ثمّ جريدة "زيري" الكوسوفية نقلا عنها في اليوم نفسه.


* كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

المساهمون