خيري الذهبي .. دمشق الرواية والتاريخ

05 يوليو 2022
خيري الذهبي (1946 - 2022)
+ الخط -

"المثقّف يجب أن يكون على يسار السلطة" هذه هي الكلمات الأخيرة التي خطّها الروائي السوري خيري الذهبي في صفحته على موقع فيسبوك يوم 30 حزيران/ يونيو الماضي، قبل أن يرحلَ عن عالمنا، أمس الإثنين، عن عُمرٍ يناهز 76 عاماً.

وُلد الذهبي في دمشق عام 1946، حيث نال تحصيله العلمي في مدارسها قبل أن يُغادر إلى القاهرة متابعاً دراسته الجامعية ونال إجازة في اللغة العربية. وقد كشف مبكّراً عن موهبة وذائقة مكّنتاه لا من التواصُل بالحركة الثقافية النشِطة في مصر حينها، بل تلقّى  تلك التأثيرات مازجاً إيّاها بأسلوبه الخاص.

مع بداية السبعينيات، عاد صاحب "ملكوت البسطاء" (1975) إلى سوريّة، وتعرَّض للاعتقال من قبل "جيش الاحتلال الإسرائيلي" إبان حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، لمدّة 300 يومٍ عندما كان يؤدّي خدمته العسكرية في أحد المواقع بالقرب من الجولان المحتلّ.

وبعدما نال حرّيته برزَ اسمُه في المشهد الثقافي كاتباً ومحرّراً لعدد من الدوريات، كما حصل على "جائزة أدب الأطفال الأولى". وفي هذه المرحلة، كتب روايته "طائر الأيّام العجيبة" (1977) التي حُوّلت إلى مسلسل تلفزيوني.

دافع الذهبي عن ضرورة التحوّل الديمقراطي في مرحلة كان الاستبداد قد بدأ يُطبق على البلد بأسره، وقادته نشاطاته السياسية في المجتمع المدني إلى أن يتمّ تسريحه من العمل في "هيئة الإذاعة والتلفزيون السوريّة" سنة 1991. ورغم ذلك، لم يكن ميّالاً إلى الانخراط في أي عملٍ حزبي بمعناه المباشر أو الضيّق.

وبالتوازي مع ذلك النشاط، كانت كتاباته الأدبية تتوزّع ما بين الرواية والقصّة القصيرة والأعمال الدرامية والأفلام. إلّا أن "حسيبة" (1987) تبقى أشهر رواياته التي ارتبط اسمه بها، وتحوّلت لاحقاً إلى مسلسل تلفزيوني ومن ثمّ فيلم سينمائي. 

ومع اندلاع الثورة في سوريّة عام 2011، لم تكن مواقفه المناصرة للشعب لتروق للسُّلطة، الأمر الذي اضطرّه بعد مضايقات أمنية تعرّض لها، أن يُغادر وطنه متّجهاً إلى مصر وعدد من البلدان العربية، قبل أن يستقرّ في فرنسا التي تُوفّي فيها.

في روايته الأخيرة "الجنة المفقودة.. من القنوات إلى كفر سوسة" (2021) عاد الذهبي إلى طفولته في دمشق خلال خمسينيات القرن الماضي، حين كان نهر بردى يفيض على بساتين المدينة، ويلهو أطفال بصيد أسماكه وظلّ ذلك حتى وقت قريب، قبل أن يجفّ ماء النهر في معظم أشهر السنة، موثقاً حياة مختلفة عاشها السوريون في جنتهم التي كانت غوطتها تحتصن ملايين الأشجار المثمرة، وتعيش الدببة والغزلان في القرى التي تحيط بالعاصمة السورية.

في كتاب يمزج السيرة الذاتية بالسرد الروائي، يواصل صاحبه التنقيب في تاريخ المكان على منوال أعمال سابقة متجولاً في أحياء الشام؛ حبّه الأول وهمّه الأول، ويتأملها بعد نحو أكثر من ستّة عقود، ليرصد علاقة الناس بمدينتهم المتعدّدة والماء المتدفق أنهراً صغيرة في حوارّيها وصولاً إلى "بحرات" بيوتهم، وينسجون حكاياتهم وأساطيرهم حولها.

ولا يغفل الذهبي كعادته فعل السلطة في حياة السوريين والتحوّلات التي عاشوها على مدار عقود من الطغيان والظلم، ودور أنظمة الحكم غير الشرعية المتعاقبة في محو ذاكرة المكان وانتهاك البشر والحجر في سبيل الحفاظ على سلطتها، كما يؤكد في مقابلة سابقة.

يُشار إلى أنّ الراحل ترك عدداً من الروايات أهمّها: "فخّ الأسماء" (2003) و"صبوات ياسين" (2006)، و"الإصبع السادسة" (2018) و"المكتبة السرّية والجنرال" (2018) وغيرها من القصص والمقالات والأعمال الدرامية.
 

المساهمون