خالد اليملاحي... أن تعيش الهجرة وتكتب عنها

19 أكتوبر 2024
خالد اليملاحي (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خالد اليملاحي، أكاديمي وكاتب مغربي، تأثرت كتاباته بتجربته الغنية في التنقل بين الثقافات، حيث درس الهندسة والأدب في فرنسا وبريطانيا، ويُدرّس الأدب المغاربي في شيكاغو.
- في روايته "استحضار نصب تذكاري في البندقية"، يناقش اليملاحي قضايا الهجرة السرية من أفريقيا إلى أوروبا، مسلطًا الضوء على التشرّد والهوية من خلال قصة المواطن الغامبي باتيه سابالي.
- يهدف اليملاحي إلى طرح الأسئلة وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة من حياة المهاجرين، مستنكراً كراهية الآخرين ومبرزاً الكرامة الإنسانية عبر الأدب.

ليست ثيمة الهجرة والمنفى غريبةً عن حياة خالد اليملاحي؛ فالأكاديمي والناقد والكاتب المغربي المولود عام 1986 ترك مسقط رأسه الرباط، وذهب إلى فرنسا ليستكمل مساره الدراسي في الهندسة، لكنّ شعفه بالأدب والكتابة والبحث الأكاديمي دفعه إلى الاستمرار في دراسة الأدب بباريس بعد حصوله على شهادة في الهندسة، ليرى نفسه مجدَّداً في عبورٍ جديد بين الثقافات الإنكليزية والفرنسية والعربية، وترحال بين جامعات فرنسية وبريطانية، قبل أن ينتهي به المطاف في شيكاغو الأميركية، حيث يدرّس حالياً الأدب المغاربي في جامعتها.

لكن أن تعيش الهجرة والمنفى شيء، وأن تكتب عنهما شيء آخر تماماً. هذا ما يؤكّده الكاتب المغربي في اللقاء الذي أقيم معه يوم الأربعاء في "Alliance Francaise d'Oxford" بلندن، للحديث عن روايته الأخيرة "استحضار نصب تذكاري في البندقية"، الصادرة عن "دار الحضور الأفريقي" عام 2023، والتي يطرح من خلالها إشكاليات الهجرة السرّية من القارة الأفريقية إلى سواحل أوروبا، عبر سرد مغاير لقصّة المواطن الغامبي باتيه سابالي، الذي رحل عن وطنه بحثاً عن قصّة حُبّ مع الحياة، لينتهي به الأمر غارقاً في مياه القناة الكبرى بمدينة فينيسا الإيطالية، وسط لامبالاة وازدراء كلّ من شهد الحادثة.

لا يتردّد اليملاحي، منذ بداية اللقاء، في الاعتراف بأنّه لم يكن من حدّد موضوع الرواية، فالموضوع نفسه هو الذي وجد طريقه إليه، وفق قوله. وهكذا، انطلاقاً من القصّة الواقعية لغرق شاب مهاجر غامبي في نهر مدينة البندقية الإيطالية والصدمة التي خلّفتها لدى كثيرين في العالم، لم يجد الكاتب وسيلة للتفاعل مع المأساة أفضل من الكتابة والسرد والتأمّل في موضوعات راهنة، هي: الهجرة، والتشرّد، والبحث عن الحياة، والهوية، والعلاقة الأزلية بين الأنا والآخر، والأخلاق في العالم الراهن.

يطرح إشكاليات الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى أوروبا

يشكّل غرق باتيه سابالي تحت أنظار زوّار فينيسيا، الذين شاهدوه وهو يرمي بنفسه ويغرق في مياه القناة الباردة، صدمةً وفشلاً جماعياً، خصوصاً في ظلّ احتقار ولامبالاة المارّة وكلّ من حضر الحادثة، حيث استمرّوا بما كانوا يقومون به بشكل طبيعي، فيما كان الشاب يلفظ أنفاسه الأخيرة. حتى أنّ بعض المتفرّجين صوّروا الحادثة بهواتفهم الجوّالة ولم يفعلوا شيئاً لإنقاذ الشاب. "إنّه إنكار تامّ للآخر"، يقول مترجم كتاب "كيف نسكن العالم: رسالة في سياسة العلاقات" لـ فالوين صار، ويستطرد أنّه شبيه بشكل أو بآخر بالإنكار الذي يحدث في العالم بشكل عامّ إزاء الجرائم والإبادات السياسية والاجتماعية التي تقوم بها الأنظمة السياسية.

ويتابع اليملاحي أنّه من أجل التعبير عن هذه الصدمة الفردية والجماعية، صدمة اللامبالاة الإنسانية إزاء موت الآخر، كان عليه أن يبتكر قالباً أدبياً يمزج فيه بين عدّة أجناس أدبية، كالقصة والتحقيق والشعر. وبالفعل من يقرأ الرواية يستطيع أن يلحظ الجهد الصحافي الذي بذله الكاتب في محاولة لإعادة بناء خيط الأحداث من أجل كشف معلومات عن الهجرة مدفونة في صفحات التاريخ والأدب.

أمّا الجهد القصصي، فيبرز بشكل واضحٍ من خلال التشابك الذي يخلقه الروائي بين الواقع والخيال، وذلك عبر حبكة مليئة بالمفاجآت والمشاعر تُشكّل حلقة من حلقات ملاحم الهجرة التي تشهدها الطرق والبحار، ولا سيما البحر الأبيض المتوسّط. الشعر أيضاً جزء لا يتجزأ من العمل الروائي، حيث يتحرّك اليملاحي بين الجذور الأفريقية، والتمزّقات الغربية، بين الأساطير والأوهام، كي يستنكر كراهية الآخرين، ويكتب عملاً عنوانه: الكرامة الإنسانية.

يؤكّد خالد اليملاحي، في لقائه مع الجمهور البريطاني، أنّ غايته من كتابة قصّة باتيه سابالي لم تكن تقديم إجابات عن أسئلة الهجرة والمنفى والعلاقة بين الأنا والآخر، فهذه ليست وظيفة الأدب؛ والرواية بشكل عام لا يمكن أن تعطي إجابات عن كلّ شيء: "لقد أردتُ أن أطرح أسئلة، وأن أترك جوانب مظلمة من حياة المهاجر الغامبي، علّني أستطيع أن ألفت انتباه الناس إزاء غيره من المهاجرين واللاجئين القادمين من أفريقيا وغيرها من البلدان. وهذه هي مهمّة الأدب الحقيقية: طرح الأسئلة وتسليط الضوء على كلّ ما هو مُظلم وغامض".

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون