رغم رحيله منذ قرابة خمسة عقود، لا تزال شخصية النحّات والفنان التشكيلي السويسري ألبيرتو جياكوميتي (1901 - 1966) مثيرة لاهتمام النقّاد ومؤرّخي الفن والباحثين، فإضافة إلى كونه قدّم رؤية فنية في قطيعة مع كل المدارس التي سبقته أو التي عاصرته، كان صاحب تصوّرات غريبة وحياة ثرية لم تخل من الأسرار.
مؤخراً صدر كتاب جديد حول الفنان السويسري بعنوان "جياكوميتي: حياة في النظر" للباحث الفرنسي إيتيان باريلييه عن منشورات "بولتيكنيك". لا يرصد العمل منجز جياكوميتي بل نظرته إلى الأشياء في محاولة لفهم منطقه الإبداعي وتصوّراته النظرية التي تمثّل النواة العميقة لكل ما خرج من بين يديه.
ينطلق باريلييه من تفسير التشويهية لجسد الإنسان لدى جياكوميتي، وهنا يرى أن المسألة ينبغي أن يُنظر لها في سياقها ضمن تاريخ الفن، حيث أن هذه النزعة ظهرت بأشكال متنوعة لدى تيارات مثل التكعيبية والدادائية والسريالية. لكن الباحث الفرنسي سيشير إلى كون جياكوميتي هو الوحيد الذي جعل من الإنسان، من خلال جسده، البؤرة الرئيسية لكامل المشروع الفني.
يعتبر باريلييه أن فن جياكوميكي يمكن النظر إليه كمحاولة للإجابة عن سؤال من هو إنسان القرن العشرين، وفي أعماله سنقرأ بأنه إنسان مشوّه. يطال التشويه في أعماله الجسد والوجه، ولكن ذلك كناية عما هو أعمق؛ روح الإنسان وجوهره الذي خلخلته الحروب الحديثة والتكنولوجيا والعمل طول اليوم.
يلفت المؤلف أيضاً إلى حالة التدفّق الإبداعي التي صاحبت جياكوميتي، والتي تشبه إلى حد كبير تلك الحالة التي عاشها الفنان الإسباني بابلو بيكاسو، وكانت تعبيراً عن نسق الحياة الذي ينبغي للفنان أن يواكبه ويجاريه، وأن يسبقه في أحيان كثيرة.