"حوارات تونسيّة حول كالفينو".. ماذا لو عاش في 2023؟

17 سبتمبر 2023
إيتالو كالفينو على سطح منزله في روما، 1984 (Getty)
+ الخط -

ضمن سلسلة "حوارات تونسيّة حول كالفينو"، التي يُنظّمها "المعهد الثقافي الإيطالي" في تونس العاصمة لمناسبة المئوية الأُولى لميلاد الروائي والناقد الإيطالي (1923 - 1985)، عُقدت في "مكتبة الكتاب"، مساء الخميس الماضي، الجلسةُ الثانية (بُثّت عبر منصة "زووم")، والتي قدّمتها كلٌّ من الكاتبة التونسية إيناس العبّاسي والصحافية الإيطالية مارتا بيلنغريري، اللتين تناولتا فصْلَ "السرعة" من كتاب "الوصايا الستّ للألفية القادمة" (1988)، الذي كان قد صدر بالعربية بترجمة الروائي والناقد الفلسطيني الراحل محمّد الأسعد.

بدأَت بيلنغريري الحواريةَ لافتةً إلى ما يمتاز به عصرُنا من سُرعة في نَشْر المعلومات، وهذا ما كرّسته الصحافة اليوم، متسائلةً إن كان بالإمكان العودة إلى البطء في هذه العملية. وأشارت إلى ما كتبه كالفينو حول مقال لتوماس دي كوينسي، نُشر عام 1849 عن "عربة البريد الإنكليزي"، والذي اتّخذه مثالاً على تنامي وسائل النقل وازدياد سرعتها.

بدورها، نبّهت العبّاسي إلى أنّ الإجابة عن سؤال السرعة، اليوم، أمرٌ صعب، خاصة أنّنا مُجتاحون بوسائل التواصل الاجتماعي والأخبار الكاذبة. وقالت إنّه لو قُيّض لصاحب "الفيسكونت المشطور" العيش في عام 2023، لمَال ربّما إلى القول بقُدرة الفكر الإنساني على الغَربلة، وانتقاء ما هو سمين حقّاً من كلّ هذا الفيض.

كيف يُقاوم الكتّاب استسهال الكتابة والنشْر في زمن السرعة؟

انتقلت بيلنغريري إلى التساؤل عن دور الحواس الخمس في الكتابة الإبداعية. وهنا تُجيب العباسي بما سمّاه كالفينو "لمحة العين الخاطفة"، التي اعتمدها تقنيّةً في كتابة القصّة القصيرة. لكن ماذا عن الشمّ مثلاً، تتساءل الكاتبة، كيف يُمكن أن نُوظّف مثل هذه الحاسّة في الإنتاج الإبداعي.. في وصف جُملة أو استدعاء ذاكرة قديمة؟ فمِن الكُتّاب من تكون ذاكرتُه بصريّة مثلاً، فضلاً عن ذلك، ألا تُعزّز الصحافة اليوم، وفقاً لعبّاسي، دور الحواس الخمس، خصوصاً مع انتعاش صناعة البودكاست؟

وعن معنى السرعة المرتبطة بحُضور الحيوانات في الأدب، لفتَت العبّاسي إلى بيت امرئ القيس الشهير "مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ معاً/ كجُلمود صخرٍ حطَّه السَّيلُ من علِ"، وربطته بما قالته امرأة - في مثالٍ أورده كالفينو - لفتىً يروي قصّة بطريقة مُملّلة بأّنّ حصانه (أي طريقة سرده) يكادُ يُوقِعُها أرضاً من شدّة بُطئه فيكسر عظامها. وهذا يُشبه الطريقة التي تلقِّن بها مدارسنا بيتَ امرئ القيس، فتسلبُه كلَّ جمالياته وحيويته بتحليلات لا تمسّ واقع الطلّاب مباشرة، وتحوّله من إيقاعه السريع إلى آخر يجلبُ الضجر.

وعادت بيلنغريري لتقرأ في أهمية البُطء مُجدَّداً، من خلال قصّة صينية أوردها الكاتب، مفادُها أنّ إمبراطوراً طلَب من أحدِ الرسّامين أن يرسُم له سرطاناً بحريّاً، فيُجيبه بأنّه بحاجة لخمسِ سنوات واثني عشر خادماً، ولكنّه بعد خمس سنوات لم يكُن بعدُ قد بدأ بالرسم وطلب خمس سنوات أُخرى، وبعد مُضيِّ عشر سنوات أمسَك بريشته وبضربة واحدة رسَم السرطان. هذه التقنية هي ما على الكاتب أن يعتمده، حسب المُحاضِرَتين، فوحدها ما تقيه من الانجراف وراء استسهال الكتابة والنشر.

وختمت الكاتبتان الحواريةَ بقراءات شعرية بالعربية والإيطالية، وحديث عن علاقة الأجناس الأدبية ببعضها، وطرائق الانتقال بين كتابة القصّة القصيرة والشعر، ودَور الصحافة الذي يُساهم في الانتقال بينهما، كونها تُعلِّم التقشّف في الكتابة، ونحْتَ نصوص سريعة.

يُشار إلى أنّ اللقاء المُقبل من سلسلة الحوارات الشهرية حول كالفينو وكتابه "الوصايا الستّ للألفية القادمة" سيُخصَّص لفصل "الرؤية"، ويجمع الكاتبة عزّة الفيلالي والباحث ماريو ساي، في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر. على أن تنتظم الجلستان: الرابعة والخامسة، في شهرَي تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر، حيث يُناقش علي بشر وإليزابيتا بارتولي فصل "التعدّدية"، وأميرة غنيم وباربرا تارازي فصل "الدقّة".
 

المساهمون