في مسرحيته "قصة مشربية"، لجأ المعماري المصري حسن فتحي (1900- 1989) إلى لغة أدبية لإيصال رؤيته التي جسّدها في تصميماته ومشاريعه، في استعارة الثقافة الغربية عناصر وأساليب معمارية غربية دون فهمها وإدراك العوامل البيئية والمناخية والثقافية وراء نشوئها.
العلاقة المشوّهة مع الحداثة موضوع المسرحية التي يضيء عليها معرض "ضدّ التيار" الذي افتتح نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي في "البيت العربي" بمدريد، ويتواصل حتى السادس عشر من أيار/ مايو المقبل، ويحوي أيضاً مخطّطات أبرز تصميماته وصوراً فوتوغرافية ومجسمات لها.
العلاقة المشوهّة مع الحداثة موضوع "قصة مشربية" التي ألفها المعماري المصري (1900-1989)
المعرض الذي يشرف عليه القيّم خوسيه تونو مارتينيز، يتناول هذه المؤلّفات، ومنها نصه المسرحي الذي استمدّ عنوانه من مفردة معمارية تبرز في الطبقات العليا للأبنية التقليدية في مصر، ويعود ظهورها إلى عمارة العصر العباسي، بحيث أصبحت أحد العناصر الأساسية في ما سيصطلح عليه لاحقاً باسم "العمارة الإسلامية".
يقدّم فتحي في النص قصة خالد، الشاب المصري المتمسك بالأصالة العربية، الذي يتهيأ للزواج، حيث يقوم ببناء منزل بهوية عربية، وفي أثناء رحلة بحثه عن القطع المناسبة للمنزل، ترشده هيلين إلى محل بيع الأثاث القديم، ليصادف مشربية عتيقة، وتدور بعدها الأحداث الغنية بالمعلومة وبالتحليل، بالإضافة إلى مقاربة نظرية وعملية للعودة إلى التراث المعماري العربي الإسلامي.
ويروي في أربعة فصول مشربية من زمن العمارة العتيقة، التي كانت تزين أحد المنازل الفخمة في زمن ما، وكيف وصل بها الحال إلى أن تُرمى في إحدى زوايا محل بيع الأثاث العتيق، لكن ضمن أسلوب رمزي، في محاولة لتكثيف معضلة العمران العربي اليوم.
من جهة أخرى، يبيّن المعرض فلسفة فتحي المعمارية وخصوصية المكان من خلال تقديم مفرداته المعمارية من صور لأعمال بارزة وماكيتات وخرائط. ويولي المعرض اهتماماً خاصاً لمشروع القرنة بالأقصر (1945-1949)، الذي أدخلته منظمة اليونسكو والصندوق العالمي للآثار تحت حمايتها من ضمن قائمة التراث الإنساني.
ويقدم المعرض كذلك العديد من الكتب الهامة، من بينها مؤلَّفه "عمارة الفقراء"، الذي يطرح من خلاله رؤيته حول العمارة البيئية. صدر الكتاب بالإنكليزية في نسخته الأصلية، ثم ترجمه إلى العربية مصطفى إبراهيم فهمي.
ويوضّح المنظّمون أن فتحي كان عالماً ورساماً وشاعراً ومفكراً ومثقفاً عاش أهم اللحظات في مصر في القرن العشرين، وأنه "عارض الكولونيالية الجديدة التي تحاول تنميط الثقافة المصرية وفقاً لمخطط عولمي. ومن خلال فلسفته المعمارية عاد إلى الجذور، ملتفتاً إلى تعاليم الفلاح التقليدي وتقاليد أهل النوبة، حيث كانوا يستخدمون القباب والأقواس والأقبية المائلة، ولا يزالون من غير حاجة إلى هياكل إسمنتية كما كان يفعل أسلافهم قديماً".
استعيرت النماذج المعروضة من عدّة جهات، منها "مكتبة صندوق الآغا خان للثقافة"، ومكتبة الجامعة الأميركية بالقاهرة، و"المعهد المصري للدراسات الإسلامية" بمدريد. ويلفت المعرض إلى أن أعمال فتحي ألهمت العديد من الفنانين والمعماريين، مثل المصوّرة والمخرجة البريطانية هانا كولينز (1956)، التي أعدت أغنية له، والفنان المصري الأرميني شانت أفيديسيان (1951-2018) الذي عمل معه على مدار عشر سنوات.