حزن النحاة (6)

13 يناير 2023
من معرض نُظّم الشهر الماضي في "متحف غاير أندرسون" بالقاهرة (Getty)
+ الخط -

مَسلمة المجريطي نحَويٌّ، و"غاية الحكيم" كتابٌ في العِلم (النحو). عبارةٌ - وضعتُها أنا - تبدو منقطِعة الصِّلة، أو ربّما مستفِزّة، خاصّة أنّ الرجل الذي عاشَ في الأندلس (توفي في 398هـ)، لم يُعرَف عنه التعاطي بهذا الحقل، وقد اقتصرت اشتغالاتُه على الفلَك (التنجيم)، أو ما يُدعَى بعلوم الأزياج والهيئة. ولاحقاً، سيُترجَم كتابُه المذكور إلى اللاتينية. إذاً، ما الداعي للتقديم بمثل هذا؟

شغلت نظرية العوامل - معنويةً كانت أم لفظية - النُّحاةَ، وفي هذا السياق تُحُدّث عن أثر المنطق اليوناني بالنحو العربي، وبدأت المؤلّفات حول "العاملية" بالظهور بعد تخطّي عصر التدوين، عصر الخليل وسيبويه (القرن الثاني الهجري). ومع الوصول إلى عصر التأصيل والتقويم (الرابع الهجري)، سنشهد على مناظرة السيرافي مُمثِّلاً عن النحويين ومتّى بن يونس عن المناطقة، وسنشهد، أيضاً، ظهور أشهر كتابٍ وُضِع في إطار المُفاصَلة بين النحو والمنطق: "الإيضاح في عِلَل النحو"، لأبي القاسم الزجّاجي (ت. 340 هـ): "فغرضهم غيرُ غرضنا ومغزاهُم غير مغزانا". 

في القرن العشرين، سيعلّق الباحث المغربي أحمد العلوي على "الإيضاح"، في كتابه "إبستمولوجيا اللغويات العربية"، وسيَنظُر بدوره في "العاملية"، لا ليردّها إلى مقايسات المناطقة، بل إلى مُشاكَلة ما بين السماء والأرض، وعوامل الأُولى في الثانية، مُستنِداً إلى بعض آراء المجريطي: "المفهوم المركزي في الفكر الفلكي قريبٌ من المفهوم المركزي في النحو"، يقول العلوي. لكنْ، ماذا لو نحن سايرنا العلوي في مُشاكلته، ألَا نصل في النتيجة إلى تلك العبارة المُنقطِعة التي بدأنا بها؟ 

هذا ما ذهب إليه الباحث إدريس مقبول، في كتابه "سيبويه مُعتزلياً" ("المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، 2015)، واصفاً تلك المُشاكَلة بأنّها "إبستمولوجيا مفصولة"، إذا ما قورنت بدائرتين إبستمولوجيّتَين إضافيّتين للنحو، إحداهما موصولة (ونحن نتكلّم هُنا عن الفقه والحديث)، والأُخرى مأصولة (أي عِلم الكلام).

المساهمون