صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "حراك 22 فبراير 2019 في الجزائر: انتفاضة واحدة ومقاربات شتَّى"، وهو كتاب جماعي حرّره أستاذ العلوم السياسية والباحث الجزائري محمد حمشي.
يشارك في تأليف الكتاب كلّ من الباحثين: خالد منة، وديديي لوساوت، ورضا حمزة بوجانة، وسليم شنة، وعادل أورابح، وعبد القادر عبد العالي، وعبد النور بن عنتر، وعدنان نويوة، وعربي بومدين، وكمال جعلاب، ومحمد حمشي، ومحمد نعيمي، وياسر درويش جزائرلي، ويامين بودهان.
يقدّم المحرر، في المقدمة، قراءة في حادثة إزاحة صورة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة من جدار مبنى بلدية خنشلة شرق الجزائر، ودوسها بالأقدام، في 19 شباط/ فبراير 2019؛ كما يشير إلى مسيرات مدينة خراطة، شرق الجزائر، في 16 شباط/ فبراير، ومظاهرة مدينة باريس في فرنسا، التي شارك فيها مغتربون جزائريون، في 17 شباط/ فبراير، احتجاجًا على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
يدرس الكتاب الحراك بوصفه ظاهرة معقدة مركبة بأبعاد اجتماعية وخطابية، وسياسية -اقتصادية وأمنية وقانونية
ويتناول أيضاً السياق العفوي والعرضي الذي ولد فيه شعار الحراك الأبرز، "يتنحَّاوْ ﭬاع" (يجب أن يرحل الجميع)، المشابه لشعارات رفعتها الانتفاضات في بلدان عربية أخرى؛ ليخلص إلى أن الحراك العربي في كُلّيته، بدءاً بانتفاضات عام 2011 وصولاً إلى انتفاضات عامَي 2018 و2019، يشبه الهولوغرام الذي يتماثل فيه الجزء والكل؛ "إنه أشبه بالصورة التي كلما واصلتَ تجزئتها، حصلتَ على أجزاءَ أصغرَ فأصغرَ ترى في كل جزءٍ منها الصورةَ الكليةَ نفسَها، لكن بمقاييس أصغرَ فأصغر".
تتكثف أطروحات الكتاب حول ست إشكاليات رئيسة، يلتقي عند بعضها أكثرُ من فصل، وينفرد بنقاش بعضِها الآخر فصلٌ واحد لا أكثر. وهي: المحلي والإقليمي في حراك 22 فبراير وسردية "الاستثناء الجزائري"؛ وتمثلات الهوية والتاريخ في حراك 22 فبراير؛ ومواجهة السلطة حراك 22 فبراير بالخطابة بدلاً من الدبابة؛ ومفارقة الانكشاف أمام الاضطرابات الجيوسياسية وغياب دور العامل الخارجي؛ والاقتصاد السياسي بوصفه كتلة جبل الجليد تحت سطح الانتقال الديمقراطي في الجزائر؛ واستجابة السلطة لمطالب الحراك بوصفها مسارين لا يلتقيان، دستوري خطي وسياسي غير خطي.
ويُدرس الحراك بوصفه ظاهرة معقدة (أو مركبة) بأبعاد متعددة ومتآثرة، محلية وإقليمية ودولية، ومادية واجتماعية وخطابية، وسياسية - اقتصادية وأمنية وقانونية، لذلك، يسعى إلى تزويد القارئ بمقاربة متعددة الاختصاصات وعابرة لها. وتتقاطع فصول الكتاب، التي كتبها باحثون من خلفيات معرفية متنوعة، لتتجاوز الجدل بشأن ما إذا كان حراك 22 فبراير ظاهرة محلية صرفة يستمد زخمه من سجل الاحتجاجات التي سبقته، أم إنه امتدادٌ لثورات ربيع 2011 العربي من ناحية، وانتفاضةٌ من انتفاضات موجة الربيع العربي الثانية، التي شهدها أيضاً السودان والعراق ولبنان بين عامَي 2018 و2019، فضلاً عن حراك الريف في المغرب في عام 2017.
يضم الكتاب أربعة عشر فصلاً، وقد صُمِّم بنيانه كي يسمح للقارئ، بدايةً بالفصول الثلاثة الأولى (التي كتبها محمد حمشي وعبد النور بن عنتر؛ ومحمد نعيمي؛ وديدي لوساوت) بوضع حراك 22 فبراير في سياقٍ زمني يستغرق عقداً كاملاً من التحولات الإقليمية، المتداخلة والمعقدة، ومن ثم مقارنته بانتفاضات الربيع العربي بموجتيه الأولى والثانية، والوقوف على حدود سردية "الاستثناء الجزائري"؛ فضلاً عن وضع هذا الحراك في سياق المكان، إذ لا يلقي الضوء على الارتباط المكاني بين حراك الجزائر وانتفاضات بلدان الجوار الإقليمي فحسب، بل أيضاً على الارتباط المكاني بين حراك الداخل في الجزائر وحراك الشتات في المهجر.
ثم ينتقل الفصلان الرابع والخامس (وقد كتبهما سليم شنة ومحمد حمشي)، إلى تمثلات التاريخ والهوية والبنى الخطابية مع انبثاق الحراك وفي أثناء سيرورته. وبعد ذلك، يتدرج الفصلان السادس والسابع (بقلم كلٍّ من عبد القادر عبد العالي وعادل أورابح) نحو السلطة وتوازنات القوة في بنية نظام الحكم القائم قبيل نشوب الحراك وأثناءه.
وفي الفصول الثامن والتاسع والعاشر (التي كتبها عبد النور بن عنتر وعربي بومدين وياسر درويش جزائرلي)، يتابع القارئ نقاشاً مفصلاً بشأن تحولات سياسة الجزائر وعقيدتها الأمنية في ظل الحراك، ببعديها الداخلي والخارجي، ثم يتوقف عند (غياب) دور العامل الخارجي ليعود إلى وضع الحراك في سياق الاضطرابات الجيوسياسية التي يشهدها جوار الجزائر الإقليمي.
يستكشف الفصل الحادي عشر (الذي كتبه يامين بودهان) تحولات المجال الإعلامي في الجزائر زمن الحراك. ثم يستكشف في الفصل الثاني عشر (الذي كتبه خالد منة ورضا حمزة بوجانة) الظلال التي يلقي بها الاقتصاد السياسي للانتقال الديمقراطي في الجزائر على العلاقة بين الاقتصاد الريعي والإصلاح السياسي من ناحية، وبين الأزمة الاقتصادية والاحتجاج والانتقال الديمقراطي من ناحية أخرى.
ويتوقف الفصلان الثالث عشر والرابع عشر (بقلم كمال جعلاب وعدنان نويوة)، عند التحولات القانونية - الدستورية التي شهدتها فترة الحراك، وآفاق كل ذلك على أحد أبرز مطالب الحراك، وهو القضاء على الفساد.