حتى يوم التحرير الأكبر

03 اغسطس 2024
طفل فلسطيني وسط الأنقاض في خانيونس، 31 تموز/ يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- التماسك الداخلي هو ما يدفع الفلسطينيين للصمود ومواجهة الاحتلال، مستلهمين من ميراث الأسلاف وقوة الشكيمة.
- الفلسطينيون يعيشون بين الأمل واليأس، مستمرين في النضال والبناء رغم الاضطهاد، مؤمنين بأن المسار سيستمر حتى التحرير.
- الشعب الفلسطيني يشق طريقه بصبر وثبات، مستفيداً من الموارد والخبرات المتاحة، مع الحفاظ على الأمل في مستقبل خالٍ من الاحتلال.

هذا الدافع نحو التماسك الداخلي هو نفسه الذي جعلنا نعيش، وجعل الشعراء يكتبون، والأيام تمضي خارج حساب الخسائر، وهو ما ألهم الناس ألّا تشكو، لأنّ الشكوى لغير الله مذلّة.  لا، لم يكن هذا متعمّداً: لقد عرفنا ببساطة أنّنا نريده، ولحظتنا الحيوية تتطلّبه جدّاً.

البعض يسمّيه إتقان فنّ الصبر، وآخر يسمّيه القدرة على تحمّل الشدائد، وثالثٌ: الجَلَد، قوّة الشكيمة، الصمود، أو شدّة المراس. لكنه، في كلّ الأحوال، لازمة من لوازم الفلسطيني، للإقامة فوق الأرض، وعدم اليأس من مقارعة الاحتلال، بالمتاح.

إنه سلوك مصنوع بالتمام من ميراث الأسلاف: "ضرب الخناجر ولا/ حُكم النذل فيّا". وهو في الوقت نفسه اجتراحٌ يشرب من ينابيع قرن مضى من المطاولات، كلّ تلك السنوات التي طبعت ذلك المسار النضالي والحياتي: المسار الذي هو في الأصل المسار نفسه، حيث نشهد اليوم تصعيده الأعلى، في حرب إبادة يشنّها علينا الغرب ذاته، مثلما كان في أوّل الحكاية مع الإنكليز.

هذا هو حالنا من الأعلى إلى الأسفل، عبر قرن ماكثٍ وسيظلّ ماكثاً في مقبل السنوات والعقود. حالٌ يمكن أن يكون تسجيلاً، أو فنّاً، أو بحثاً، أو تأريخاً، أو غباراً في مهبّ الريح. هو صورة لماض لا يكفّ عن الحضور، ولحاضر لا يكفّ عن الشبه بالماضي، ولمستقبل يمتلك الاثنين معاً: الوعد والوعيد.

كلّ صباح نستيقظ ناقصين عدداً، وكلّ صباح نستيقظ زائدين أملاً

نحن شعب منذور للحياة، عن طريق الموت. للكثير من الجلجلة في الميدان وفي الأغاني. كلّ صباح نستيقظ ناقصين عدداً، وكلّ صباح نستيقظ زائدين أملاً. لم نختر ذلك لأنّنا نهوى ذلك، ولكنّه حُكم الضرورات والتاريخ. ستنتهي إقامتنا على الأرض، وسنمضي، كما فعل السابقون، مسلِّمين الراية لمن يعقبنا من الجيل، واثقين من أمرٍ ثمين وجَلَل: أنّ المسار سيحافظ على نفسه، مستقرّاً دون تغييرات جذرية، حتى يوم التحرير الأكبر.

نحن شعب يشقّ طريقه مثل النمال، دون أيّ ادعاءات أُخرى سوى "الرضى بالقضا"، والحلم بغدٍ خال من وضاعة المحتلّ، من باب الفعل وليس فقط الطموح. لقد قمنا بالبناء شيئاً فشيئاً، وبما أنّ لدينا اليوم المزيد من الموارد، والمزيد من الخبرة، والمزيد من التأثير، فإنّ عملنا يتحوّل إلى أشياء أكبر. لكن يبقى ممرّ النمل هو طريقنا للإفلات من ظلم الطغاة.

لقد عشنا اضطهاداً كبيراً في كلّ شأن، منذ قدوم أوّل مُستعمِر إنكليزي، ما يجعل تجربة هذه اللحظة المحايثة التي تزدهر فيها أخوّة الدم من يمنٍ للبنان وعراق، أكثر خصوصية. لكن علينا أن نُمنح الكثير من الوقت حتى نتمكّن من القيام بذلك اليوم العظيم.

من النبل حقّاً أن نتذكّر من نحن وألّا يأكلنا الطارئون. من الرائع، في ساعة غزّة الطويلة الحرجة هذه، ألّا ننسى البداهات: الفلسطيني، بالنظر إلى المستقبل، يعلم أنّه سيستمر في المشي على درب الجلجلة، والكدح مثل النمال، واستيعاب الأشياء التي تحدث، أيّاً تكن.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون