جوليا دومنا... إمبراطورة حمصية غيّرت تقاليد روما الذكورية

18 فبراير 2023
تمثال رأسي من رخام لجوليا دومنا في "المتحف الروماني - الجرماني" بكولونيا الألمانية (Getty)
+ الخط -

ساعد عرب بلاد الشام الإمبراطورية الرومانية في القضاء على حكم السلالة السلوقية المقدونية عام 63 ق. م، فحازوا نتيجة ذلك مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية غير قليلة، منها: حصول بعض العائلات الأرستقراطية على المواطنة الرومانية، وعضوية مجلس الشيوخ في روما، وتشكيل فيالق وأفواج عسكرية خدمت في أوروبا؛ شكّلت مراكز قوى لا يُستهان بها طوال العصر الإمبراطوري المُضطرب.

كان لدخول العرب في التركيبة الإثنية الرومانية أكبر الأثر في تغيير طبيعة هذه الإمبراطورية المنتشِرة على مساحات واسعة في حوض البحر المتوسّط وأوروبا، وتحويلها إلى كيان عابر للثقافات، بل وصل الأمر في القرنَين الميلاديَّين الثاني والثالث إلى توطُّن المفاهيم والرؤى الثقافية الشرقية في روما نفسها. ومن ذلك قبول فكرة مشاركة المرأة في الحُكم، والتي رسّختها جوليا دومنا، وشقيقتها جوليا ميسا، وبنات شقيقتها جوليا سحيمية، وجوليا مامايا، إذ كانت هذه الفكرة حتى القرن الثاني الميلادي مستهجَنة بشدّة في المجتمع الروماني القائم على تمجيد الذكورة واحتقار الأنوثة. 

ويمكن القول إنّ تأثير الإمبراطورات الحمصيات في المجتمع والسياسة الرومانيَّين كان تأثيراً بعيد المدى، رغم ما تعرّضن له في فترات لاحقة من حملات تشويه وهجاء على يد مؤرّخين وأدباء رومان وبيزنطيين.


سليلة ملوك حمص

وُلدت جوليا دومنا في حمص حوالي العام 170 للميلاد؛ في أسرة عربية ذات مكانة رفيعة، وماضٍ تليد. كان والدها جوليوس باسيانوس؛ رئيس كهنة إله الشمس الحِمصي إيل جبالوس، وهو منصب وراثي في الأسرة التي كانت في أثناء الحُكم السلوقي لسورية مشيخةً قبَلية تسكن في الرستن باسم قبيلة الحمسيين، ثمّ أصبحت مع دخول الرومان في منتصف القرن الأول قبل الميلاد سلالة ملكية - كهنوتية تقيم في حمص، قبل أن تتحوّل إلى سلالة كهنوتية فقط في القرن الثاني الميلادي، بعد نزع الصفة الملكية عنها، في عهد الإمبراطور كومودوس. 

عرف من أسلاف جوليا دومنا شمسي جيراموس الأول (64 - 48 ق.م) الذي ساعد الرومان في القضاء على الحكم السلوقي في سورية في العام 63 ق.م، فحصل على اعتراف بمملكته في منطقة حوض نهر العاصي، وخلفه ابنه يمليخوس الأول (20 - 14ق.م) الذي ذكره الخطيب الروماني شيشرون، وكان يفكّر فيه كحاكم لقلقيليا، وحليفٍ محتملٍ ضدّ البارثيين، وجاء ذكر شمسي جيراموس الثاني (14 ق.م - 42 م) في نقش تأسيس معبد بل في تدمر إلى جانب جيرمانيكوس قيصر، نائب الإمبراطور طيباريوس في عام 18/ 19م. وثمّة نقش تكريمي من مدينة بعلبك يذكر سحيم (54 - 73م) ووالده شمسي جيراموس الثاني. وسحيم هذا خلف شقيقه الأكبر عزيز، وكان راعياً لمستعمرة بيروت الرومانية في بداية حكم نيرون، وهو حليف مهمّ للرومان، وقدّم قوّات للقضاء على التمرّد اليهودي في القدس عام 66م.

الصورة
جوليا دومنا والعائلة - القسم الثقافي
نقش يُظهر جوليا دومنا وزوجها سيفيريوس، وابنيها كركلّا وغيتا (Getty)

يدلّ استمرار استخدام رجال هذا البيت الحاكم لاسم جوليوس، ونسائه لاسم جوليا، على أنّهم حصلوا على المواطنة الرومانية في عهد الإمبراطور جوليوس قيصر؛ عِلْماً أنّ عرب سورية وبلاد الشام تبنّوا في وقت مبكّر الثقافة الهلنستية، وكانوا طوال العصرين السلوقي والروماني يتسمّون بأسماء رومانية - يونانية، مطعّمة في غالب الأحيان بأسماء عربية.

في رأي الكثير من الباحثين فقد أعطت قبيلة الحمسيِّين اسمَها للمدينة التي وُلدت فيها جوليا دومنا، محاطة بالغنى الفاحش لأسرتها، وبالمكانة الدينية الرفيعة المستمدّة من كهانة معبد الشمس وحجره الأسود، ومن المحتمل أنّ اسم القبيلة مستمدّ من الجذر العربي "حَمَسَ" أي تشدّد، وحمِس الرَّجلُ في دينه: تشدَّد فيه. وهو جذر موجود بالمعنى نفسه بالسريانية (ܚܡܲܣ)، وكانت قبيلة قريش تقول عن نفسها قبل الإسلام: "نحن الحُمْسُ أهلُ الحَرَم". أمّا اسم دومنا (دمنة)، فبات مؤكّداً أنّه من جذر عربي مشتقّ من السواد، وهو لون الحجر المقدّس في حمص.


زوجة ثرية

تتعدّد الأسباب التي يُوردها المؤرّخون لزواج الإمبراطور سبتيموس سيفيروس (146 - 211م) من جوليا دومنا، فهناك رأي يقول إنّه تعرّف إليها، وأُعجب بجمالها حين خدم خلال العامين 182 و183م، كمندوب في الفيلق السكيثي المتمركز في سورية، وعندما ماتت زوجته الأولى باشيا مارشيانا طلب دومنا للزواج. وفي كتاب "تاريخ أوغستا" أنّه استَخار الأبراجَ حول زوجته المستقبلية، فأخبرته أنّ هناك امرأة في سورية يقول برجُها: إنّها ستتزوّج ملكاً، فسعى إليها، واستطاع الزواج منها عن طريق ووساطة أصدقائه. وثمّة رأي يقول إنّ ثروتها هي التي أغرته بالزواج منها، فهو على الرغم من أنّه ينحدر من أسرة ميسورة الحال، لم يكن واسع الثراء. اللافت أنّ الأسباب الثلاثة السابقة ربطت صعود سيفيروس المهني بزواجه من جوليا دومنا، حتى رواية التنبّؤ والأبراج التي يعزوها البعض إلى مرحلة لاحقة للزواج نفسه.

سافرت جوليا دومنا إلى خطيبها حاكم مقاطعة غاليا لوغدونينسيس في العام 186م، وكان لها من العمر 16 عاماً، فأُقيم حفل الزفاف في مدينة لوغدونوم (ليون اليوم) في العام 187م، وهناك أنجبت ابنها الأول سبتيموس باسيانوس، المعروف باسم كركلّا، في الرابع من نيسان/ أبريل عام 188م. بعد عام انتقلتِ العائلة إلى روما، حيث وُلد الابن الأصغر غيتا في السابع من مارس عام 189م. حين صدر قرار تعيينه حاكماً لمقاطعة بانونيا العليا في العام 191م، كان على سبتيموس سيفيروس أن يترك أطفاله في روما. من غير المعروف ما إذا كانت جوليا دومنا بقيت مع أطفالها في روما، أم سافرت مع زوجها إلى بانونيا العليا.

الصورة
بقايا معبد - القسم االثقافي
بقايا معبد بناه سيفيريوس أثناء حكمه في مدينة لبدى الليبية (Getty)

لم يمكث سبتيموس سيفيروس طويلاً في منصبه الجديد؛ إذ سرعان ما تعرّض الإمبراطور كومودوس لعملية اغتيال في العام 193م من دون أن يكون لديه وليّ عَهد، تلَت ذلك اضطرابات أفضت إلى تعيين ديديوس جوليانوس إمبراطوراً، غير أنّ القوات المُرابطة في كارنونتوم، على نهر الدانوب، أعلنت قائدها سبتيموس في التاسع من نيسان/ أبريل 193م إمبراطوراً، فتوجّه مسرعاً إلى روما، ودخلها في التاسع من حزيران/ يونيو، وفور ذلك حصلت جوليا دومنا على اللقب الإمبراطوري أوغستا.


الإمبراطورة

منذ البداية حرصت جوليا دومنا على الظهور كإمبراطورة حقيقية، فسافرت مع زوجها لقتال حاكم سورية بيشينيوس نيجر الذي أعلن نفسه إمبراطوراً، واستولى على القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، متّخذاً من بيزنطة قاعدة لعملياته ضدّ قوات القسم الغربي بقيادة سيفيروس. مع تراجع نيجر أمام سيفيروس انتقل القتال إلى آسيا الصغرى في أواخر كانون الأول/ديسمبر من عام 193م، وفي بداية كانون الثاني/ يناير 194م فرّ جنوباً، ووقعت آسيا الصغرى وبيثنيا في قبضة سيفيروس. ومع نهاية الربيع كانت نهاية نيجر. وقد شاركت جوليا دومنا بجميع هذه المعارك، ودخلت إلى روما منتصرة إلى جانب زوجها.

في العام التالي كانت جوليا حاضرة أيضاً في الحرب مع البارثيين، والتي امتدّت لعامَي 195 و196م، وتقديراً لشجاعتها ورجاحة عقلها حملت اللقب التشريفي "أمّ المعسكر". وبعد تحقيق انتصار مرحلي، عادت في وقت مبكّر من عام 197م، مع زوجها إلى الشرق؛ لتشارك في الحرب الثانية ضدّ البارثيين، ولكن الإقامة في الشرق طالت هذه المرة سنوات عدّة. في العام 199م سافرت العائلة الإمبراطورية إلى مصر، ومكثت هناك حتى العام 200م، ولم تعد إلى روما حتى العام 202م. خلال العامين 202 - 203م أقامت العائلة في موطن سيفيروس بشمال أفريقيا، قبل أن تُسافر للمشاركة في الحملة العسكرية الأخيرة للإمبراطور في بريطانيا، والتي استمرّت من العام 208م إلى أن توفّي في العام 211م.

طوال السنوات التي عاشتها جوليا دومنا إمبراطورة، كانت حريصة على فكرة العائلة الإمبراطورية، وهي فكرة كانت تثير نقمة وانتقاد بعض السياسيين في روما لارتباطها بالشرق؛ رأينا ذلك عند السلوقيين في سورية، والبطالمة في مصر، وعند العرب الأنباط، وسنراه أيضاً عند التدمريين.

كان ثمّة حرص على تكريس هذه الفكرة من خلال العملات المعدنية وأقواس النصر. ربما للمرّة الأولى في تاريخ روما يتمّ تجسيد العائلة الإمبراطورية في أعمال فنّية، هدفها ترسيخ فكرة الأسرة الحاكمة المثالية التي تضمن الاستمرارية والاستقرار، ومن أجل ذلك أُعلن عن أبدية الحكم الإمبراطوري، والمقصود هنا "السلالة السِّيفِيرية"، حيث ظهرت الإمبراطورة كرمز للسعادة والوئام. واللافت للنظر هو العدد الكبير جدّاً من النقوش التكريمية لجوليا دومنا، بحيث لم تحصل أيّ إمبراطورة سابقة أو لاحقة على مثيل له. لكن الفرحة لا تكتمل، فقد عانت جوليا دومنا سنوات من قائد الحرس الإمبراطوري فولفيوس بلوتيان، وهو قريب لزوجها من جهة أمّه؛ مولود في ليبتيس ماغنا.

كان بلوتيان يكره جوليا، ويوغر صدر الإمبراطور عليها، وكان تأثيره كبيراً إلى درجة أنّه زوّج ابنته في نيسان/ أبريل من عام 202م من وريث العرش كركلّا ضدّ إرادة جوليا. لم يكن يتورّع عن إظهار عدم الاحترام للإمبراطورة، حتى إنّه لفّق قضيّة ضدّها، عندما انتزع اعترافات تحت التعذيب من بعض نساء النبلاء، زعم فيها أنّها أقدمت على سلوك غير محتشم، الأمر الذي وضعها في موقف الدفاع عن النفس، وأجبرها، مؤقّتاً، على اعتزال الناس. لم يهدأ لها بال حتى قتل بلوتيان على يد صهره كركلّا في العام 205م.


الإمبراطورة الأم

بعد وفاة سبتيموس سيفيروس في 4 شباط/ فبراير 211م، في أثناء الحملة البريطانية في إيبوراكوم (يورك حالياً)، تولّى كركلّا وغيتا الحكم معاً، فأوقفا الحملة، وعادا إلى روما مع جوليا دومنا. وبدت الأمور كأنّها تتّجه نحو حرب أهلية بسبب العِداء بين الأخوين، ولاحت في الأفق فكرة تقسيم الإمبراطورية، حيث كان من المُمكن أن يحصل غيتا على نصفها الشرقي؛ ويقال إنّ جوليا عارضت هذه الخطّة حتى أفشلتها.

الصورة
تمثال بالطول الكامل - القسم الثقافي
تمثال بالطول الكامل لجوليا دومنا في "متحف أنطاليا" بتركيا (Getty)

في كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، أقنع كركلّا أمّه بدعوة غيتا إلى جلسة مصالحة. ظنّ غيتا، من دون تبصّر، أنّه في مأمن من أخيه بحضور والدتهما، وحضر، كنوع من بادرة ثقة، من دون حارسه الشخصي، فقتله كركلّا على الفور بين ذراعي جوليا، ممّا أدى إلى إصابتها هي أيضاً. ربما انقطعت العلاقة بين جوليا وكركلّا بشكل لا رجعة فيه ظاهريّاً؛ مع ذلك كانت ما تزال تحظى بشرف كبير؛ وتمّ تكريمها من جديد في النقوش، وعلى العملات المعدنية، وأُضيف إلى لقبها السابق "أمّ المعسكر"، لقبان جديدان هما: "أمّ مجلس الشيوخ"، و"أمّ الوطن". وكانت أول عضو في عائلة إمبراطورية يحصل على هذا اللقب الفخري الكبير، وأول امرأة يتمّ تكريمها بلقب "بيا فيليكس"، والذي ظهر في السابق فقط مرتبطاً بالإمبراطور بيوس فيليكس.

يبدو أنّ جوليا دومنا قد تولّت جميع السلطات التنفيذية المتعلّقة بإدارة الإمبراطورية، في ظلّ انشغال كركلّا بالشؤون العسكرية، وخصوصاً حروبه البارثية. يذكر المؤرّخ وعضو مجلس الشيوخ كاسيوس ديو أنّ جوليا وبَّخت كركلّا ذات مرة بسبب إنفاقه مبالغ طائلة على الجنود، وقالت له: "لم يعد هناك أيّ مصدر دخل لنا، سواء أكان قانونيّاً أم غير قانوني"، فأجاب وهو يعرض سيفه: "افرحي يا أمّي؛ ما دام لدينا هذا فلن ينقصنا المال". يقال أيضاً إنّها كانت مُخوَّلة بتلقّي التماسات ومراسلات من مجلس الشيوخ، والتوقيع على الوثائق.


راعية الفلاسفة والأدباء

لم يمنع جوليا دومنا انهماكها في الحياة السياسة للإمبراطورية من الاهتمام بالفلسفة والأدب، وكان لديها منتدىً يلتقي فيه عدد كبير من أدباء وفلاسفة ذلك العصر، أشهرهم فلافيوس فيلوستراتوس، مؤلّف سيرة الفيلسوف الفيثاغورسي الجديد أبولونيوس التياني، وهي سيرة كتبها بناءً على طلب جوليا، بحسب قوله. فقد أعطته الإمبراطورة مجموعة من الوثائق التي كتبها أحد زهّاد مدينة نينوى القديمة، بعد أن لازم الفيلسوف أبولونيوس، وكانت تتضمّن تسجيلاً لأخبار جولاته وآرائه وخطبه ونبوءاته. قال إنّها طلبت منه إعادة صياغة هذه المقالات، وتحريرها، والاهتمام بطريقة صياغتها، لأنّ زاهد نينوى لم يكن يملك أسلوباً أدبيّاً، رغم أنّه دوّن أفكاره بشكل واضح إلى حدّ ما.

وقد وصف فيلوسترتوس الإمبراطورة بأنّها فيلسوفة، وأنّها تقدّر النشاط الخطابي وتشجّعه، وتركّز بشكل خاصّ على الأسلوب الأدبي الرفيع. وقال إنّه كان يرافقها في جميع جولاتها. يقارن فيلوستراتوس، في رسالة له، بين جوليا والفيلسوفة اليونانية الشهيرة أسباسيا من ميليتوس، حيث تعطي الرسالة انطباعاً عن اهتمامات الدائرة الأدبية - الفلسفية التي كانت تحيط بجوليا، ولعلّ أبرز هذه الاهتمامات الدفاع عن السفسطائيين ضدّ الانتقادات التي يتعرّضون لها، ومنها انتقادات الفيلسوف الساخر بلوتارخ.

حمامات كركلا - القسم الثقافي
جزء من فسيفساء في "حمّامات كركلّا" وهو ابن جوليا دومنا، بُنيت في روما 212 للميلاد (Getty)

من الفلاسفة والأدباء الآخرين الذين ضمّهم صالونها الأدبي - الفلسفي: السفسطائي فيلسكوس من تيسالي، والإمبراطور اللاحق غورديان الأول، وأسباسيوس من رافينا، وأوبيان الأفامي، مؤلّف قصيدة سينيجيتيكا المكرّسة لمدح كركلّا، والناثر ومصمّم الأزياء الشهير إيليان، صاحب كتاب "التاريخ الطبيعي للحيوانات"، والمحاميان ألبابينيان وأولبيان الصوريان، ويوليوس بولوس، والطبيب سيرينوس سامونيكوس، أحد ضحايا كركلّا في العام 212م.


الوفاة وحكم التاريخ

في العام 214م رافقت جوليا دومنا ابنها الإمبراطور إلى الشرق، ليبدأ حرباً جديدة ضدّ البارثيين، وقد طالت الحملة سنوات عدّة، من دون تحقيق نتائج مشجّعة، فقضت شتاء العام 216م في مدينة الرُّها، وفي الشتاء الذي تلاه كانت في مدينة أنطاكية، وهناك تلقّت نبأ مقتله على يد قائد الحرس الإمبراطوري ماكرينوس في 8 نيسان/ أبريل عام 217م. وقد روى المؤرّخ كاسيوس ديو وقع الخبر على جوليا دومنا فقال: "كانت جوليا، أمّ الإمبراطور، في أنطاكيا عندما علمت بمقتل ابنها، وقد تأثّرت إلى درجة أنّها ضربت صدرها بعنف، وامتنعت عن تناول الطعام. لقد حزنت أيّما حزن على موت ذلك الرجل الذي كرهته في حياته؛ ولم يكن ذلك الحزن بسبب رغبتها في أن يبقى على قيد الحياة، ولكن لأنّها كانت ستضطرّ لترك الشأن العام لتعود إلى حياتها الخاصّة".

تعرّضت جوليا دومنا لحملات مُغرِضة حاولت تحطيم صورتها المُشرقة. بدأت هذه الحملات في حياتها، كما رأينا، والسبب يعود إلى أنّ هذه الفتاة فائقة الجمال، القادمة من الشرق، حطّمت برقّتها ورجاحة عقلها جميع الأفكار الذكورية المُسبقة التي كانت تسيطر على المجتمع الروماني. إذا نظرنا إلى المصادر التي تناولتها، وتناولت عرضها، فسنجد أنّها في غالبيتها الساحقة كتبت في فترات متأخّرة، على عكس المصدرين المعاصرين لها، وهما المؤرّخان كاسيوس ديو، وهيروديان، اللذان رسما صورة إيجابية أعطتها حقّها. فكاسيوس ديو كان واسع الاطلاع من موقعه كعضو في مجلس الشيوخ، وصوّرها على أنّها مستشارة راجحة العقل، كرّست وقتها للفكر والفلسفة. أمّا هيروديان فأشاد بموقفها الصلب من وحدة الإمبراطورية ومنع تقسيمها، ووصف استخدامها لعاطفة الأمومة التي نجحت في طيّ هذا المشروع نهائيّاً. 


* كاتب وباحث سوري فلسطيني

المساهمون