يُعَدّ الفيلسوف المجري جورج لوكاش (1885 - 1971) من الفلاسفة الماركسيين القلائل في القرن العشرين الذين خصّصوا جزءاً مهمّاً من اشتغالاتهم لمناقشة مسائل الفن والأدب وعِلم الجمال، إلى جانب فلاسفة "مدرسة فرانكفورت"، ولا سيّما ثيودور أدورنو (1903 - 1969) الذي عُرف بكتاباته عن الفن والموسيقى، والذي بدأ مسيرته بكتابٍ عن مفهوم الجمال لدى كييركغارد وترك عملاً غير مكتمل حول "النظرية الجمالية".
ورغم الحضور الكبير لأعمال لوكاش، سواء في اللغة الفرنسية أو حتى في العربية، ولا سيّما تلك التي تتناول الأدب ونظرية الرواية، إلّا أن كتاباته حول الفنّ، كحقلٍ وكممارسة، ما تزال شبه مجهولة؛ إذ لم يصدر في فرنسا إلّا كتابٌ واحد، قبل أكثر من أربعين عاماً، يضمّ مقالاته الأولى حول علم الجمال؛ في حين ما تزال المكتبة العربية فارغة من أيّ عملٍ له في هذا المجال.
لدى منشورات "كريتيك" في باريس، صدر حديثاً القسم الأوّل من الكتابات الكاملة للوكاش حول الفن، تحت عنوانٍ شاملٍ هو "عِلم الجمال: الجزء الأوّل" (ترجمه عن الألمانية جان بيير موربوا وغيّوم فوندو)، وهو عنوان لا يذكّر فحسب بـ"عِلم الجمال" الهيغلي، الذي غالباً ما يُطبع أيضاً في أجزاء، بل يقدِّم عمل لوكاش بوصفه واحداً من أبرز ما كُتب حول نظرية الجمال في تاريخ الفلسفة الغربية، إلى جانب كتابات كانط وديدرو، وبالتأكيد هيغل.
وإذا كان الجزء الثاني من الكتاب، الذي من المنتظر صدوره قريباً، سيضمّ دراساتٍ مفصّلة للوكاش حول عددٍ من التجارب الفنية التي عاصرها أو التي عرفتها أوروبا منذ النهضة، فإن هذا الجزء الأوّل يشمل كتاباته النظرية حول معنى الفنّ بشكل عام، وحول ما يميّزه، كحقلٍ للفعل البشري، عن حقولٍ أُخرى مثل الدين والأخلاق والعلوم.
ولن يُفاجأ القارئ المطّلع على تجربة لوكاش من موقفه من الفن، فهو ينظر إليه من وجهة نظرٍ مادّية تاريخية، ماركسية، بحيث يخرج الفنّ من عزلته كحقلٍ يخصّ الفنّان وعبقريته وإبداعه الفردي، ليصبح فعلاً ذا وظيفة تاريخية. ويدافع لوكاش عن الأطروحة القائلة بأن البيئة الاجتماعية، بل الاحتياجات الاجتماعية على وجه التحديد، هي التي تُحَدّد الأطر التي يندرج فيها الفنّ في كلّ واحدة من مراحل التاريخ.